سلمان بن محمد العُمري
أعلن صندوق الوقف الصحي بالتعاون مع القطاع الخاص دعم تكاليف 72 عملية ناجحة لزراعة الكلى، خصصت لمن ليس لديهم أهلية علاج من المرضى، وذلك ضمن المبادرات الصحية المتنوعة بين الصندوق والجهات الأخرى، بتكلفة 14 مليون ريال، استفاد منها عدد من المرضى للفئة العمرية من 20 وحتى 79 عامًا، منهم 55 ذكرًا و17 أنثى.
وتأتي هذه المبادرة كجزء من جهود الصندوق لتقديم الرعاية الطبية اللازمة لمرضى الفشل الكلوي وتحسين جودة حياتهم، وقد تم تنفيذ المبادرة بدعم سخي وبذل غير مستغرب من أحد المصارف والمجموعات الطبية، اللذين تكفلا بالجانب المالي والفني لضمان نجاح المبادرة".
تلكم المعلومة أعلاه جزء من خبر بثته مؤخراً وسائل الإعلام عن مناشط صندوق الوقف الصحي الذي يترجم جانبا من جوانب الأعمال الخيرية المباركة لمملكة الإنسانية التي نفخر ونعتز بها في داخل المملكة وخارجها، وكم تمنيت لتكتمل الصورة الخبرية النبيلة عن نوعية المستفيدين سعوديين أو غيرهم، وماهي جنسياتهم، ولا أعرف سبباً عن إخفاء اسم المصارف والمجموعات الطبية التي تكفلت بالجانب المالي والفني لضمان نجاح المبادرة، حتى نقول للمحسن أحسنت، وتبرز أعماله الجليلة النبيلة، وحتى يكون قدوة للآخرين بمثله في دعم المبادرات الخيرية والوقفية على حد سواء.
كما أتمنى أن تتوسع حلقة التواصل مع المستشفيات والمؤسسات والمجمعات الطبية لتوفير الخدمات الصحية المجانية، أو عمل خصومات خاصة لغير القادرين وفق آلية محكمة.
مجتمعنا السعودي من سماته -ولله الحمد- الإنفاق وبذل المعروف ابتغاء ما عند الله عز وجل ومرضاته وطمعاً في الثواب، ثم هي طبائع اكتسبها جيل بعد جيل، ونجد في مجتمعنا -ولله الحمد- بذل الجاه والمساعدة بالنفس والنفيس وتفريج الكرب والمعونة في النائبات وإغاثة الملهوف، ونرى أناساً ونسمع قصصاً لمن عهد عنهم السماحة والعطاء، ونرى أيضاً هذه السمة الغالبة في المجتمع من جميع الناس، فهناك صور رائعة من صور التكافل والتضامن والتآزر والتعاون وعطف الكبير على الصغير ورحمة القوي بالضعيف، وهذه من سنن النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد كان يصل الرحم ويرحم الكَلّ ويكسب المعدوم ويقري الضيف ويعين على نوائب الزمن.
ومن المظاهر الحميدة في مجتمعنا ما نراه من قيام الموسرين والمحسنين والمؤسسات الخيرية بتبني مشاريع خيرية ودعمها ورعايتها بالكامل أو الإسهام فيها وإنشاء مؤسسات وقفية تعنى بالعمل الخيري الخاص أو العام، ومنذ القدم كانت الوصايا والأوقاف متعددة المناحي وأوجه الصرف، ويقوم ناظر الوقف أو الورثة بتنفيذ وصية الموقف حتى وإن كانت بسيطة.
سبق وأن كتبت عدة مقالات عن موضوع الوقف الصحي ودعوت فيها أن يتم تعميم عمل الخير، وألا يتوقف على الأعمال الخيرية المعتادة، وقلت ربما كانت هناك مصارف للصدقات والأوقاف في حينها أعظم ثواباً وأجراً، ولاسيما إذا كان الأمر يتعلق بحياة الناس وإنقاذهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ولدينا أيضاً شواهد طيبة على أوقاف وأعمال خيرية في المجال الصحي، وأكدت أن "القطاع الصحي" يشهد نصيباً أقل في العمل الخيري للأسف على الرغم من أننا نرى مبادرات يقوم بها بعض المحسنين والأفراد في دعم مشاريع خيرية خارجية، وبينت حاجة هذا القطاع الماسة للعمل الخيري بشقيه المالي والمهني.
من خلال ممارستي للعمل الإعلامي وجدت جفوة ومخاوف وانقباضا وتوجسا من قيادات العمل الخيري والوقفي؛ ولا أعرف سبباً واضحاً وراء ذلك، أو حرص الموقفين على التواري عن إبراز مناشطهم ومنجزاتهم على الأقل عن الجهة المشرفة على الأوقاف، وأنه لمن الواجب والأهمية بمكان التعاون وتقديم التسهيلات للموقفين، وأن تشرع الأبواب ليزيد الوعي بثقافة الوقف، وليعرف المجتمع الجهود المبذولة في العمل الخيري والاجتماعي والوقفي، ولابد من إحياء وتنشيط إثارة الوعي لدى أبناء المجتمع بأهمية الوقف في خدمة المجتمع وفائدته في تقديم الخدمات المجتمعية كافة والصحية خاصة، وأنه سنة يثاب عليها فاعلها في الدنيا والآخرة، وهو صدقة جارية لا ينقطع أجرها بعد موت صاحبها، والاستفادة من وسائل الإعلام والاتصال وخطباء المساجد والدعاة في هذا المجال.
وأنه لابد أن تكون الخدمات الصحية والعلاجية من أولويات الاستثمارات الوقفية، ذلك أنّ الخدمات الصحية تُعدُّ أغلى المعدلات مقارنة بالخدمات الأخرى.
والوقف سلاح استراتيجي في مواجهة نوازل الحياة، وكلما كان العمل أنفع وأصلح للأمة كان عند الله -عز وجل- أفضل. والوقف ثروة الأجيال القادمة في الخدمات الصحية والتعليم والتدريب والابتعاث، مع التذكير بأن الوقف لا يقتصر على الأموات فقط، بل لابد للإنسان الميسور من إيجاد وقفٍ له في حياته يشرف عليه قبل مماته، وعلينا التشجيع على إيجاد وقفٍ في الحياة قبل الممات.