دهام بن عواد الدهام
لابد أنك تدرك عزيزي القارئ ماذا يرمي إليه العنوان لذلك سأحاول بقدر المساحة المتاحة تناول هذا العنوان بشيء من الاستدراك والفهم ووجهة النظر، أتفهم أن الانتخابات الأمريكية بكل تقسيماتها الرئاسية والتشريعية هي شأن أمريكي خالص وبحت لكنه يهم العالم من المكانة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تعتبر اليوم الرقم الأول والصعب في المعادلات الدولية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومالياً، مع كل ما يمكن أن يكون تحفظات هنا وهناك على سير هذه الهيمنة وفرض الأسلوب والنهج على الطريقة الأمريكية ابتداءً من المواقف السياسية وسيطرة لوبيات وجماعات على القرار الأمريكي وانتهاءً بالعبث الأخلاقي في الجنس البشري الذي تقوده جهات داخل المنظومة الأمريكية مدعومة من بعض وسائل الإعلام وصناع المحتوى الفني، في نفس الوقت الذي تعتبر فيه أمريكا أرض أحلام للبعض سواءً كان للتعلم وهي المنارة العلمية بجامعاتها وتطور الطب ووسائل الراحة والترفيه أو الطمع بالثراء في اقتصاد رأسمالي مفتوح تقود من خلالها حركة المال العالمية.
لعل من المفيد إلقاء بعض من الضوء على هذه الانتخابات بعد التطورات الدراماتيكية بعد انسحاب الرئيس الحالي بايدن من السباق الرئاسي وتعرض الرئيس السابق ترمب مرشح الحزب الجمهوري إلى (حادثة محاولة اغتيال!!) الحزبان يسيطران على الانتخابات في الساحة الأمريكية فما هي دلالات ورموز هذين الحزبين والتي تعتبر من الأمور الهامة في شخصية وسمة الحزبين. فالحزب الجمهوري يشار إليه باللون الأحمر ويتخذ من الفيل رمزاً له، بينما يأخذ الحزب الديمقراطي اللون الأزرق، ويتخذ من الحمار رمزاً له. ذكرت مجلة متخصصة في التاريخ السياسي أن هذين اللونين لم يكونا شائعين مع تأسيس الحزبين فقد تم استخدام اللونين لأول مرة في عام 1976 خلال السباق الرئاسي بين جيمي كارتر وجيرالد فورد، عندما عرضت شبكة «إن بي سي» التلفزيونية خريطة للولايات المتحدة ووضعت لمبات تضيء بالأحمر في الولايات التي صوتت لصالح مرشح الحزب الجمهوري جيرالد فورد، ولمبات أخرى مضاءة باللون الأزرق في الولايات التي صوتت لصالح مرشح الحزب الديمقراطي آنذاك جيمي كارتر». ويقول المؤرخون إن أول استخدام للحمار في اللغة السياسية لتمثيل الحزب الديمقراطي كان في عام 1828 خلال حملة الانتخابات الرئاسية للمرشح الديمقراطي آنذاك اندرو جاكسون. وكان جاكسون بطلاً شعبياً بعد الانتصارات التي حققها في حرب عام 1812 ضد البريطانيين، وكان جاكسون يرفع شعار «الحكم للشعب».
معارضو جاكسون وصفوه بأنه شعبوي وأطلقوا عليه لقب «حمار» لكن جاكسون بذكاء استخدام الحمار رمزاً لحملته ليمثل العناد والمثابرة والتحمل في حملته الانتخابية.
أما رمز الفيل للحزب الجمهوري فقد استخدم لأول مرة في رسم كاريكاتير للرسام توماس نايت في مجلة «ويكلي هاربر» عام 1870 حيث رسم الحمار لتمثيل الديمقراطيين الذين يرفضون الحرب واستخدم الفيل للإشارة إلى الجمهوريين وخلافاتهم الداخلية التي يمكن أن تضرهم خلال الانتخابات المقبلة. لكن الكاريكاتير المميز الذي رسخ رمز الحمار والفيل كان في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974 الذي حمل عنوان «الرعب من ولاية ثالثة». وكان الكاريكاتير يشير إلى الرئيس الجمهوري بوليسيوس غرانت الذي خدم فترتين كرئيس، وكان يفكر في الترشح لفترة ولاية ثالثة، وأظهر الكاريكاتير اعتراضات الديمقراطيين الذين يحاولون الاستيلاء على السلطة وأشار إليهم في الكاريكاتير بحمار يرتدي جلد أسد وهو يحارب بقية الحيوانات الأخرى حتى أصبح استخدام كل من الحمار والفيل في الإشارة للحزبين الديمقراطي والجمهوري.
نحن هنا بالمملكة العربية السعودية، تدرك قيادة بلادي أهمية العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة والتي وضعت ركائزها منذ عهد المغفور له الموحد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في لقائه مع الرئيس الأمريكي روزفلت وفي كل المراحل تطور هذه العلاقات ومهما وُضعت المملكة جزءاً في الحملات الانتخابية المختلفة بالموجب أو السالب فذلك لا يغير من واقع العلاقات الثنائية بشيء وما تناوُل المملكة في حملات المرشحين إلاّ لأنها ومواقفها الإقليمية والدولية رقم صعب ومؤثر في الأوساط الأمريكية ومرتبط بمصالح مشتركة لن تؤثر عليها مواقف هذا المرشح أو ذاك وأثبت الواقع كم هو عصي اسم المملكة وعدم تجاوزه في مراحل ما بعد الانتخابات وهذا فيه حكمة من قيادة بلادي وإدراكها الأهداف الانتخابية التي تثار من حين لآخر وأصدق دليل وأقوى من تلك الشعارات الأمريكية ورداً عليها ما تفضل به صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سلمه الله في تصريحه لوكالة بالمبرج «لن ندفع شيئاً مقابل أمننا. نعتقد أن جميع الأسلحة التي حصلنا عليها من الولايات المتحدة الأميركية قد دفعنا من أجلها، إنها ليست أسلحة مجانية». وأضاف سموه «حسناً أنتم تعلمون أنه يجب عليك تقبل مسألة أن أي صديق سيقول أموراً جيدة وسيئة، لذلك لا يمكنك أن تحظى بأصدقاء يقولون عنك أموراً جيدة بنسبة 100 في المائة، حتى داخل عائلتك» هذه الحكمة والدراية وكيفيه إدارة علاقات الدولة في محيطها وعلاقاتها الدولية لا تمليها مواقف حزب أو جماعة وأثبتت نجاعتها وقوتها بنهاية الحملات الانتخابية وكيف يعاد اسم المملكة ويحسب لها ألف حساب ولعلي أستعير تشبيهاً بهذا الواقع من مثل شعبي يقول (رد على منكس قرونه) مع التأكيد أن لا أحد يملي عليها أي مواقف تتعارض مع مصالحها الوطنية ومواقفها الثابتة العربية والإسلامية، وما يتم تناوله في بعض وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا تعبير يمثل أصحابه..
أما الانتخابات التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية أنها رمز الديموقراطية في العالم في حين سبر تفاصيلها تجد أنها أكثر تعقيداً مما نراه حيث يتم انتخاب الرئيس الأمريكي ونائبه كل أربع سنوات ويتم انتخاب الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية عبر عدة مراحل، تبدأ بانتخابات التصفيات داخل الأحزاب السياسية (وفقاً لأنظمة وإجراءات كل حزب) وتكون المرحلة الأخيرة من الانتخابات وبعد اختيار مرشح الحزب يتم اختيار نائبه ويطلق على هذه المرحلة «الانتخابات العامة»، تتم هذه المرحلة في أول يوم ثلاثاء يلي أول يوم اثنين في شهر نوفمبر ويُطلق عليه «الثلاثاء الكبير». حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحهم لرئاسة البلاد. ثم تفرز الأصوات وتعلن النتائج الأولية للانتخابات خلال 12 ساعة من إغلاق مراكز الاقتراع, وخلافاً للظاهر فالناخبون الأمريكيون لا يقومون بانتخاب رئيسهم مباشرة، بل يتم الفوز بالانتخابات عن طريق المجمع الانتخابي الذي يتكون من 538 مندوباً بما يماثل عدد أعضاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، إضافة إلى ثلاثة أعضاء من مقاطعة كولومبيا التي تحتضن العاصمة الأمريكية والتي لا تملك أي تمثيل انتخابي فى الكونجرس. حيث تمثل كل ولاية أمريكية داخل هذا المجمع الانتخابي بعدد معين من الأصوات بحسب عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونجرس.
لذلك فإن الهيئة الانتخابية تعتبر مثالاً لإجراء انتخابات غير مباشرة حيث توزيع الأصوات الانتخابية في المجمع الانتخابي ويتم تعيين الهيئة الانتخابية من قبل كل ولاية استناداً إلى الدستور الأمريكي والمجلس التشريعي لكل ولاية على حدة. (وتختلف عملية اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية من ولاية إلى أخرى) حيث يقوم الناخبون في كل ولاية باختيار أعضاء الهيئة الانتخابية في يوم إجراء الانتخابات العامة. لذلك فإنه - من الناحية الفنية يكون المجمع الانتخابي -وليس الناخبون- هو من ينتخب الرئيس، ويتمتع بحق الانتخاب كل مواطن أمريكي بلغ سن الثامنة عشرة شريطة أن يستوفي شروط الإقامة المفروضة في الولاية التي يتبعها والتي تختلف من ولاية إلى أخرى، وأن يلتزم بالمواعيد النهائية المحددة للتسجيل وتتولى كل ولاية أمريكية -بنفسها- مسؤولية تنظيم وإدارة عملية انتخاب الرئيس. حيث تقوم الولاية بتعيين مدير انتخابات وتناط بالدوائر الانتخابية في كل ولاية وضع ضوابط الاقتراع وتحدد أوقات فتح مراكز التصويت وإقفالها، كما تحدد طريقة التصويت: إلكتروني أو يدوي حيث يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحهم لرئاسة البلاد. ثم تفرز الأصوات وتعلن النتائج الأولية للانتخابات خلال 12 ساعة من إغلاق مراكز الاقتراع وبعد فرز الأصوات تنتقل العملية الانتخابية إلى الهيئة (المجمع الانتخابي الذي ووفقاً لآليات عمل المجمع تعلن نتائج فوز أحد المرشحين وفي حالة عدم حصول أي من المُرَشَحَين للرئاسة على أغلبية أصوات الهيئة الانتخابية (أي 270 صوتاً)، يتوجب على مجلس النواب أن يقرر المرشح الفائز، حيث يقوم أعضاء مجلس النواب بالإدلاء بأصواتهم لاختيار المرشح الفائز بمنصب الرئيس، ويكون لكل عضو صوت واحد.. هذه هي الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل مختصر ومفيد وأختم مقالي (فلا لنا فيها حمار ولا فيل..).