تغريد إبراهيم الطاسان
يعد التراث التاريخي والتراثي ذاكرة المجتمعات والشعوب، وهذا لأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من نسيجها التاريخي والاجتماعي والحضاري، لذلك يعتبر الحفاظ على هذا التراث رابطاً مهما يربط بين ماضي وحاضر ومستقبل هذه الشعوب والمجتمعات، ليكون هو الأساس في تحديد شخصياتها الإنسانية والاجتماعية والثقافية، وإبراز شكل هويتها الانتمائية ومدى تمسكها وحفاظها عليها.
ومن هذا المنطلق، أولت المملكة اهتماماً كبيراً بالحفاظ على تراثها الوطني، وسعت إلى إبرازه للعالم وتثقيفه به، من أجل الحفاظ على أساسٍ صلب قوي يخلد ماضيها المجيد وتراثها الحضاري الغني، مع الافتخار بحاضرها المشرق، وكذلك ليكون ما سبق ركائز تستند عليها خطط أهدافنا المستقبلية، هذا كله لم يأت بالصدفة، إنما هو امتداد من عُمق بلادنا التاريخي وترجمة لدورها الريادي في خدمة التراث الإنساني العالمي في ظل رؤية 2030 التي شددت على أهمية الاعتزاز بالهوية الوطنية التي يُعدّ التراث الوطني بقوالبه المادية وغير المادية أحد مكوناتها الرئيسية، بما يساهم في زيادة الوعي به، والحفاظ عليه؛ لتحقيق استدامته وضمان متوارث للأجيال القادمة.
من هذا المنطلق، تبرز جهود السعودية جلياً في الحفاظ على تراثها الوطني وتأصيله في نفوس المجتمع المحلي، ونشره كثقافة جاذبة وأصيلة ومهمة عند المجتمع الدولي، وذلك من خلال حرصها على تسجيل مواقعها الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وهو ما توّج قبل أيام بنجاح السعودية- خلال اجتماعات الدورة السادسة والأربعين للجنة التراث العالمي التي عُقدت بمدينة نيودلهي الهندية- في تسجيل المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية، ليصبح ثامن المواقع التراثية السعودية المسجلة على قائمة التراث العالمي، لتكمل المنظومة الثقافية السعودية بذلك عقد مستهدف رؤية 2030 في عدد المواقع المسجلة على قائمة التراث العالمي.
ولعل هذا التسجيل الدولي المهم يعكس الاهتمام الكبير الذي يحظى به التراث السعودي والذي نشأ مع تأسيس المملكة واستمر مع كل قياداتها، بدءا من الملك المؤسس طيب الله ثراه، وصولا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- في المحافظة على تراث المملكة الغني وتنميته بصورةٍ مستدامة باعتباره قيمة مضافة لاقتصادها الوطني، إضافة إلى تعريف المجتمع المحلي والدولي به ليكون مصدر إشعاع حضاري وجذب سياحي متميز على مستوى العالم، كما يعكس هذا الإنجاز ما تتميز به المملكة من غنى تراثي وتنوعٍ طبيعي في مختلف مناطقها، حيث تمتلك العديد من المواقع الأثرية ذات الأهمية الكبيرة، ليس فقط على الصعيد المحلي، ولكن على الصعيد العالمي، كونها تمثل كنزًا مخفيًا من جمال المملكة الثقافي والتاريخي، وتنسج نسيجًا غنيًا من حضاراتها الغابرة، وتوضح قصص حضاراتها وفنونها وتعابيرها الإبداعية وعاداتها التاريخية.
ولا شك أن تسجيل قرية الفاو الواقعة جنوب منطقة الرياض ضمن قائمة اليونسكو جاء من كونها تملك موقعاً ثقافياً ذا قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني، حيث تعد الفاو؛ عاصمة مملكة كندة الأولى؛ إحدى الممالك العربية القديمة في نجد، حيث اتخذها ملوك كندة العربية عاصمة لملكهم منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع للميلاد قبل أن يغادروها ويتخذوا من شمال الجزيرة العربية مركزا لحكمهم، كما كشفت الحفريات الأثرية عن تطور الفاو من محطة مرور قوافل صغيرة إلى مركز تجاري وديني وحضري مهم في وسط الجزيرة العربية نجد، إضافة لذلك تشتهر هذه المنطقة باحتوائها على مظاهر متنوعة ومعالم أثرية وتراثية مختلفة مثل المنازل السكنية والأسواق والطرق والمقابر والمعابد وآبار المياه، بجانب مجموعة استثنائية من الاكتشافات الأثرية والفنون الصخرية ومجموعة من النقوش الكتابية القديمة.
نبارك لوطننا الغالي ولقيادتنا الحكيمة ولسمو وزير الثقافة ولوزارة الثقافة وهيئة التراث تسجيل موقع الفاو في لائحة التراث العالمية والذي يتوج جهود المملكة المستمرة في هذا المجال، ويضاف لسجل إنجازاتها الحافل في حماية أنظمتها البيئية الطبيعية والمحافظة عليها وتنميتها بصورةٍ مستدامة، والاهتمام بتراثها وآثارها كثروة ثقافية وطنية وعالمية، تُعزز من مكانتها كمركز للثقافة والتاريخ في الشرق الأوسط والعالم.