د. محمد عبدالله الخازم
مفتاح هذا المقال عبارة عن سؤال زميل عقب قراءته كتابي «حكايات على الخشم»؛ لماذا كتبت «جامعة بلا مكتبة هي جامعة بلا قلب»، أما كان الأولى أن تكون جامعة بلاعقل؟
دعوكم من الجامعة التي تعيش بلا قلب، سأكتب عن تجربتي مع المكتبات الجامعية وبعدها تتضح الإجابة. التجربة تتجاوز مجرد كونها مستودع للكتب والمراجع، وفق تعريفات «المكتبجيون» إلى التجربة الإجتماعية، وربما لو بحثنا في التجارب الشخصية سنجد لديكم قصصا وتفاصيل مشابهة.
المكتبة مكان تهرب إليه عندما لا تجد مكاناً أخر. هذه حقيقة، قد يكون لدينا وقت فراغ أو لا نجد مكاناً نذهب له فتكون المكتبة خيارنا الأمثل الذي نذهب إليه. كنت أذهب لمكتبة الجامعة ليس لغرض بحثي العلمي أو حتى القراءة الجادة بقدر ما أذهب لأقضي وقتأً للقراءة الخفيفة (الكاجوال) أو قراءة الصحف، أو حتى مجرد الإسترخاء على مقاعدها الوثيرة، إلخ. في بعض حالات أخذت غفوة صغيرة، رغم أنهم يمنعون النوم في المكتبة. كثير من الطلاب يفعلون ذلك، في أوقات الفراغ بين المحاضرات أو في أوقات الملل أو الهروب من الأخرين أو عندما لا يوجد لديهم ثمن القهوة، إلى أخره من الأسباب. ويزيد التوجه لذلك في جامعات لا يوجد فيها مراكز طلابية مريحة، حدائق، أماكن جلوس أواسترخاء، مناسبة. ليس عيباً أن تستريح في بهوها وعلى كراسيها المريحة وفي جوها المكيف، عندما يكون الجو خارجها «صهد» لافح أو «صقيع» قارس!
المكتبة مكان للقاء الآخرين. قد يكون لقاء اجتماعي في قاعات المكتبة أو في المقهى الموجود في ركنها أو في ساحاتها، أو لقاء عمل عبر حجز أحد قاعات الإجتماعات المتوفرة فيها. كثيراً ما التقيت زملاء وطلاب وأساتذة وأنجزنا مشاريع في مكتبة الجامعة ومرافقها ومقاهيها. كثيراً ما أمضيت الوقت في التصفح بينما أنتظر الزملاء أو ينتظروني. ولا أنسى الحوارات الرومانسية والرياضية العابرة في الباحات المتاح فيها القهوة والتدخين خارج المكتبة..
المكتبة مكان للدراسة. كنت أذهب للمكتبة لمجرد الجلوس على طاولة أو في حجرة (في حال توفرت) والتركيز في مذاكرتي أو كتابة بحثي وواجباتي في جو من الهدوء، بعيدأً عن انشغالات وإزعاجات المنزل أو المقهى. من الطرائف التي أحكيها لابنتي؛ كنت أهرب من بكائكم وطلباتكم عندما كنتم صغاراً بالذهاب لمكتبة الجامعة، والآن أواعدكم في مكتبة جامعتكم: «نلقاك في المقهى، يمين بعد دخولك بوابة المكتبة، يابابا».
المكتبة مكان المصادر الإلكترونية والورقية في مجالات عدة - وفق اختصاصها- مزودة بالإنترنت وأجهزة الحاسوب وخبراء يساعدونك في البحث عن ما تريده. تناسبني حتى وأنا أحمل معي جهازي المحمول حيث تقنياتها وشبكاتها أمنة وأكثر ثقة من غيرها. دائماً، ماكانت عوناً لي واجباتي البحثية والأكاديمية والثقافية.
تلك تجاربي ولا زلت أكرر بعضها عند زيارة بعض الجامعات، التي دائماً ما أجد مبنى المكتبة أحد أجمل معالمها. أعرفتم الأن لماذا هي بالنسبة لي قلب الجامعة وفي بعض المدن هي قلب المدينة؟!
على المستوى المحلي، للأسف قد تجد مبنى المكتبة الجميل والفخم في بعض الجامعات، لكنه قلب يعاني الاعتلال والتعب والإرهاق؛ لا تحديث في المصادر من كتب ودوريات ولا مكان يراعي الاحتياجات الاجتماعية والأكاديمية ولا ساعات عمل مناسبة، إلخ.
يلجأ لها الطالب/ الباحث قسراً بسبب التكاليف الأكاديمية والبحثية وليس حباً وشغفاً، ويعود منها خائباً لأنه لا يجد ما يبحث عنه. بقي هناك نوعان من المكتبات لم نتطرق لهما؛ مكتبات مدارسنا في التعليم العام، وهنا الصمت واجب في حضرة الموت. والمكتبات العامة، وكم من الوعود التي ننتظر إثمارها!