د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعتبر آسيان الشريك الرابع لدول مجلس التعاون الخليجي بعد الصين والهند والاتحاد الأوروبي بتجارة سنوية تبلغ 137 مليار دولار تمثل 8 في المائة من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الدولية، مثلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخليجية في الآسيان نحو 4 في المائة بقيمة 75 مليار دولار، بينما مثل استثمار دول الآسيان في مجلس التعاون الخليجي نحو 3.4 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 24.8 مليار دولار، ويتجاوز ناتج المجموعتين 5.5 تريليونات دولار ( الآسيان 3.6 تريليون دولار ودول المجلس 2 تريليون دولار في 2022)، وتوقع البنك الدولي أن يبلغ الناتج المحلي لدول مجلس التعاون الخليجي تريليوني دولار في 2022 على أن يصل إلى 6 تريليونات بحلول عام 2030 وقد يتخطى 13 تريليونا عام 2050، وتسيطر السعودية على 50 في المائة من الاقتصاد الخليجي، ارتفعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 1889 مليار ريال وتستهدف الوصول إلى 4970 مليار ريال في 2030.
سيفتح الحزام والطريق والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا فرصا تجارية جديدة للتكتلين بسبب أن دول مجلس التعاون الخليجي النابضة بالحياة ودبلوماسية أعضائها الاقتصادية تتطابق مع دول رابطة دول جنوب شرقي آسيا يقود إلى إقامة شراكات جديدة بين التكتلين التي تختلف عن التجارة الحرة التي تعزز التنويع الاقتصادي، خصوصا أن التكتلين يتمتعان بمزايا تنافسية تعزز جهود حراك الجنوب العالمي من أجل تعزيز مسارات سلسلة التوريد العالمية، وتساهم في إعادة العولمة لتشمل إعادة كتابة قواعد الدبلوماسية الاقتصادية التي تعزز هذا النهوض المشترك، تنطلق من الروابط المشتركة وفي مقدمتها الموقع الاستراتيجي والتقدم الاقتصادي، والأهداف والطموحات المتوافقة، كتسريع النمو الاقتصادي، وتوطيد الشراكات الاستثمارية الدولية، والتنمية الثقافية والاستقرار الدوليين.
أتى اجتماع قادة وزعماء 16 دولة خليجية وآسيوية في 20/10/2023 لتدشين خطة عمل مشتركة للفترة 2024 - 2028 لرسم خريطة طريق واضحة لما تسعى إليه من تعزيز التعاون والشراكة في مختلف المجالات بما يخدم مصالح التكتلين، فهذه القمة سرعت التقارب المشترك اقتصاديا وتنمويا، كما جاءت هذه القمة بعد ثلاثة أشهر من انعقاد قمة بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في جدة لتعزيز العمل الخليجي المشترك، الهادفة إلى تفعيل الشراكات الاستراتيجية لمجلس التعاون إقليميا وعالميا، من اجل تعزيز السعودية وأشقائها خياراتهم الاقتصادية والسياسية والثقافية مع الدول والتكتلات المختلفة.
تمر المنطقة بتغييرات جيوسياسية مهمة على المستويات كافة، ما يستدعي تكثيف الخيارات ونسج العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والكتل السياسية والاقتصادية الأخرى، وبشكل خاص التقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين دول الآسيان، يدفع التزام تلك الدول بالحياد في الصراعات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، في ظل الاستقطاب من جانب القوى الكبرى الصين والولايات المتحدة.
وتكمن أهمية هذا التعاون بين الكتلتين خاصة مع وجود مشتركات بين الدول الأعضاء في قضايا سياسية وحقوقية وتجارية ودينية، ويمثلان قوتين عظميين بسكان يصل إلى أكثر من 700 مليون نسمة تمكنهما مجتمعتين من الاضطلاع بدور استراتيجي كقوة استراتيجية في خضم هذا العالم المنقسم، والذي يواجه حالة من الغموض الجيوسياسي.
يتجه التكتلان دول مجلس التعاون الخليجي والآسيان المكون من (إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي وكمبوديا ولاوس وميانمار وفيتنام)، ورابطة آسيان جزء من الشراكة الاقتصادية للتعاون الإقليمي إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، نحو تعزيز نظام متعدد الأطراف، خصوصا أن دول الآسيان ودول المجلس أثبتتا قدرتهما على التأقلم مع انكماشات الاقتصاد العالمي والتعافي السريع من جراء الأزمات الاقتصادية.
يأتي انعقاد القمة التاريخية، بينما يمر العالم بظروف صعبة جراء توترات الأزمات والتوترات الجيوسياسية، وهذا الاتفاق هو الأول من نوعه بين آسيان ودول الخليج، وهي اتفاقية ضرورية لتعزيز النمو التدريجي والشامل والمستدام بعد عقدين من الزمن لكنها ظلت دون المستوى رغم الفرص الكثيرة المتاحة للشراكة والتعاون، فجاءت قمة الرياض لفتح آفاق جديدة من التعاون والشراكة بين التكتلين تتجاوز التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري في قطاعات النفط والبتروكيماوية والأغذية والزراعة إلى التعاون في مجالات الأمن والدبلوماسية والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية والمصرفية، خصوصا أن تسارع عملية التنويع الاقتصادي في المنطقتين سيؤدي إلى نمو التجارة البينية، لكن يظل الهدف الأسمى التوصل إلى إبرام اتفاقية للتجارة الحرة.. فهل يتحقق من أجل أن يكون منطلقا لتجارة حرة مع بقية التكتلات؟.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقاً بجامعة أم القرى