د. تنيضب الفايدي
بدا قرية ذات إرث تاريخي، تقع في الشمال الشرقي من مدينة الوجه، وهي واحة جميلة واسعة، تحيط بها من جميع الجهات قمم متفرِّقة من الجبال المرتفعة والمتوسطة الارتفاع تتخللها بعض الأودية الخلابة.
أصل التسمية:
كلمة بدا بفتح الباء وردت في القرآن الكريم في عدة آيات بمعنى ظهر، منها قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ..} (سورة الأنعام الآية:28) أي ظهر، ويمكن أن يفهم منها أن اسم بدا يعني: ظهور الشيء وبروزه، ومن هنا قيل في سبب تسميتها بهذا الاسم كما يقول سكان بدا المعاصرون بأن أجدادهم الأقدمين حفروا بئراً وعندما ظهر ماؤها صاح الذي في قعرها، أبشروا بدا الماء، فجاء اسم المكان على هذه الحادثة. حمد الجاسر، مجلة العرب (11/ 12)، وقال ياقوت في كتابه (معجم البلدان 3/ 351): «بدا قرية بها منبر». واسم بدا ورد في بعض روايات شعر جميل بثينة بالياء المنونة (بدىً) وذلك في قوله:
ألا قد أرى إلا بثينة للقلب
بوادي بدىً لا بحسمي ولا شغب
وورد في بعض روايات شعر كثير عزة منوناً (بداً) وذلك في قوله:
وأنت التي حببت شغباً إلى بدا
إلي وأوطاني بلاد سواهما
وهذا يدلّ على أن بدا وكذلك شغب (منهل بين طريق مصر والشام) كانا من مناهل الماء منذ القدم، فلا شكّ أنهما مسكونة منذ الفترة القديمة.
كما ورد في شعر زيادة بن زيد ممدوداً (بداء)، يقول البكري: «فلا أدرى أمدّه ضرورة، أم فيه لغتان». قال:
وهم أطلقوا أسرى بداءً وأدركوا
نساء ابن هند حين تهدى لقيصرا
أما بعض أهل بدا المعاصرون فينطقونه بكسر الباء ويبدل بالألف هاء عند النطق (بِدَه)، ويبدو أن نطق بِدا على هذا النحو قديم، فقد ذكرها الجزيري من أهل القرن العاشر بلفظ بده بكسر الباء وسكون الهاء آخر الحروف. الآثار الإسلامية ببلدة بدا للدكتورة/ حياة (ص22).
وقد ينسب بدا إلى يعقوب عليه السلام، كما أشار إلى ذلك المقدسي في كتابه (أحسن التقاسيم ص61): حيث يقول: «بدا يعقوب على جادة مصر عامرة آهلة». والبكري: «والطريق من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصر على الجادة من المدينة إلى ذي خشب، إلى السُّويدَاء، إلى البزوة، إلى سُقيا يزيد، إلى بدا يعقوب، إلى ضباء، إلى النبك والصَّلا، إلى عينونة» والحموي في كتابه معجم البلدان (3/ 351)، حيث يقول: «بدا واد قرب أيلة من ساحل البحر». كما وردت نسبته إلى يعقوب عليه السلام في كتاب آثار البلاد للقزويني (ص154) حيث يقول: «كان بها مسكنه في أيام فراق يوسف عليه السلام، ويقال هذه القرية بيت الأحزان؛ لأن يعقوب كان بها حزيناً مدة طويلة، منها سار إلى مصر إلى يوسف عليه السلام».
بدا في المصادر الجغرافية والتاريخية وكتب الرحالة:
ورد اسم بدا في كتب الجغرافيين والمؤرخين المسلمين الأوائل في معرض الحديث عن المدن والقرى القائمة بالحجاز خلال القرون الأولى للهجرة، كما جاء ذكر بدا كمحطة على طريق الحج المصري حيث أشار إليه ابن خرداذبة في كتابه (المسالك والممالك ص127) وهو أقدم الجغرافيين المسلمين عند ذكر منازل الطريق من مصر إلى مكة فيقول: «يبدأ من الفسطاط ويمر على الجب، ثم البويب، ثم منزل ابن بندقة، ثم عجرد، ثم الذنبة، ثم الكرسي، ثم الحفر، ثم منزل، ثم أيلة، ثم حقل، ثم مدين، ثم الأغراء، ثم منزل، ثم الكلابة، ثم شغب، ثم بدا، ثم السرحتين، ثم البيضاء، ثم وادي القرى، ثم الرحيبة، ثم ذي المروة، ثم المر، ثم السويداء، ثم ذي خشب، ثم المدينة، ثم مكة مروراً بالمنازل الواقعة على طريق المدينة مكة.
وكذا ذكر بدا كلٌّ من اليعقوبي في كتابه (البلدان ص99)، حيث أشار إلى طريق واحد لحجاج مصر هو الطريق الداخلي الذي يمرّ على بدا، والحربي الذي كتب أيضاً في القرن الثالث الهجري فقد اختلف عنهما وذكر أن طريق مصر يفترق بعد أيلة إلى طريقين، بري يمرّ على مدين ومنازل أخرى منها شغب، وبدا، والسرحتين، والسقيا، ويها يلتقي طريق الشام ومصر، وطريق ساحلي يمر بعد أيلة ثم الوجه ثم منخوس، ثم الحوراء، ثم قصيبة، ثم البحرة، ثم ينبع، ثم الجار، ومن الجار إلى المدينة . المناسك للحربي، (ص649، 650، 651).
وابن قدامة فقد عدّد منازل الطريق المصري الداخلي الذي يمر على بدا وشغب، ثم ذكر الطريق الساحلي ونص على أنه هو الطريق المستعمل في عهده.