العقيد م. محمد بن فراج الشهري
تنقل الكابلات البحرية نحو 95 في المئة من حجم البيانات بين القارات بسرعة وأمان، مما يجعلها عنصرا مهما جدا في الاقتصاد العالمي. دفع ذلك بعضو في البنك الفيديرالي الأميركي إلى القول إنه إذا توقفت شبكة الكابلات البحرية عن العمل فسيتوقف الاقتصاد العالمي كليا.
لهذه الكابلات ميزتان، الأولى، قدرتها على إرسال كميات هائلة من البيانات في وقت واحد. والثانية، تكلفتها الرخيصة حيث تساهم الكابلات بدرجة كبيرة في التجارة العالمية وتمكن أصحاب الأعمال من الترويج لأعمالهم وتسهل عمليات البيع والشراء وفتح أسواق عالمية من طريق التجارة الالكترونية بعبدا من تحديات المسافات. كما أن التنوع في خدمات الحوسبة السحابية مكن شركات الاتصالات من تقديم خدمات للمستهلك دون الحاجة لامتلاك حواسيب بقدرات خاصة باهظة الثمن. فمع ازدهار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، زاد اعتماد العالم على هذه الكابلات، حيث أتاح للمستخدمين القدرة على التحكم من بعد بمنازلهم عبر أجهزتهم وإصدار أوامر صوتية لكاميرات المراقبة الليلية والأدوات الكهربائية الذكية.
إضافة إلى ذلك، أظهرت تقارير أن وجود خدمات إنترنت بشكل قوي ومستقر، يحفز التعاون وجذب الاستثمارات بين الدول، مما يساهم في دفع الاقتصاد العالمي واستقراره، فوجود بنية تحتية حديثة للاتصالات لا تقل أهمية عن توافر الطرق ومواد خام وعمال كفاءات لجذب استثمارات أجنبية، تساهم بدورها في توفير فرص العمل وتحقيق استقرار اقتصادي أكثر استدامة. تساهم خدمات الإنترنت والاتصالات في الناتج المحلي لكل دولة بنسب مختلفة، وترتفع بالطبع عند انقطاع خدمات الانترنت الخسائر الاقتصادية بحسب ارتفاع نسبة مساهمة هذه الخدمات في الاقتصادات الوطنية، وقد تكون الخسائر عظيمة. كذلك، تتفاوت نسب اعتماد الدول للإنترنت وطريقة حفظ بيانات سكانها وعملائها محليا أو خارجيا، على سبيل المثل تخزن الولايات المتحدة الأميركية بياناتها محليا بينما تعتمد أستراليا ونيوزيلندا على الإنترنت السحابي، وتخزن كمية كبيرة من بياناتها خارجيا، فكلما زاد اعتماد الدول على الإنترنت وحفظ بياناتها في قواعد بيانات خارجية، زادت نسبة الخسائر الاقتصادية عند قطع هذه الكابلات التي تيسر تريليونات الدولارات من المعاملات يومياً وتحمل كل شيء، بدءا من رسائل الدردشة إلى معلومات الحكومة السرية.
ويمكن استخدام كابلات الإنترنت والاتصالات في أغراض خاصة بالتجسس وجمع المعلومات إذا ما توافرت المعدات الخاصة للغوص إلى مواقع كابلات مهمة في قاع البحار والمحيطات. إذ يمكن للمتخصصين إحداث فتحة في جسم الكابل وتركيب أجهزة تنصت لجمع المعلومات الاستخبارية من اتصال هاتفي أو بريد إلكتروني أو معاملات مادية، أو أي بيانات يتم تمريرها داخل الألياف الضوئية للكابل المستهدف. بالطبع، إذا كانت البيانات المنقولة مشفرة فهذا يصعب مهمة المجرمين الالكترونيين ولكن هناك مجموعات قراصنة سيبرانيين مؤهلين لفك تشفير هذه البيانات لتتمكن في النهاية من الوصول إلى معلومات حساسة عسكرية أو اقتصادية أو شخصية، يتم ابتزاز أصحابها للحصول على أموال.
الأمثلة كثيرة لنوع كهذا من الهجمات، ففي عام 2015، أفادت مستشعرات أميركية بوجود غواصة بالقرب من كابلات بحرية مما فتح الباب أمام مخاوف من التجسس على هذه الكابلات.. ففي أعالي البحار، تمتلك الدول حقوقا سيادية تختلف عن تلك الموجودة ضمن حدود الدول الجغرافية. حيث لا يعتبر التجسس على كابلات بحرية في أعالي البحار خرقا لسيادة الدول، ولطالما تم اعتبار جمع معلومات استخبارية في وقت السلم من طريق الكابلات أمرا لا غبار عليه، ولكن وفقا لخبراء القانون الدولي. إذا ترتب على تلك الهجمات السيبرانية خرق لحقوق الإنسان فيعد ذلك أمرا غير مقبول.
لم تعد الحروب تقليدية في البر والبحر والجو، فهناك جبهات أخرى جديدة للتنافس بين الدول. السلاح الأقوى اليوم هو سلاح البيانات، فكل الدول تسعى للحصول على بيانات ومعلومات أكثر وتأمين هذه البيانات قدر الإمكان ضد الهجمات السيبرانية وضد أي اختراق.
أصبحت المعلومات سلاحا مهما جدا في ميزان النظام الدولي فهي محرك للاقتصاد والتحالفات والجيوش. لهذا، لا تتوانى الدول المتقدمة عن محاولة إحكام سيطرتها على الكابلات البحرية وتكوين مسارات بديلة لأسباب مدنية وأخرى تختص بالسياسة الدولية والأمن في عالم يحركه القوي القابض على معلومات وافرة.