د.علاء الدين محمد فوتنزي
قال الله تعالي: {إِنّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (24) سورة يونس، ولعل الكوارث الطبيعية الهائلة التي شهدتها مقاطعة واياناد الجبلية في ولاية كيرالا الهندية جراء استمرار هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات والانهيارات خلال الأيام الأخيرة تجسّد مشهداً ساقته الآية الكريمة، فخلال بضع دقائق يتغير اللاندسكيب أو المشهد الأرضي تغيراً كلياً أو شبه كلي، ينقلك مباشرة إلى اللفظ المعبر عنه بـ»الحصيد» وهو «الحصاد في غير إبانه على سبيل الإفساد».
واياناد: حسبما تعرضت للانهيارات والانزلاقات الأرضية
تقع ولاية كيرالا على الساحل الجنوبي في شبه القارة الهندية، وهي من الولاية الاستوائية الموجودة في الهند والتي تتميز بأمطارها الموسمية وطبيعتها الجذابة، وتشتهر بمناطقها الجميلة ومناظرها الخلابة وبمساحتها الخضراء، هذه الولاية تعرضت مؤخراً لأمطار موسمية غير اعتيادية وحدوث فيضانات وانهيارات أرضية وانهدام المنازل والجسور صباح يوم الثلاثاء 29 يوليو 2024 مما أدى إلى أسوأ ما مرّ على الولاية منذ زمن، ولكن الأضرار التي نجمت عن هذه الأمطار تسببت في 385 من القتلى ومئات الجرحى وتشريد أكثر من ألف شخص دُمرت منازلهم بشكل جزئي أو كلي، في حين يلوذ نحو أربعة آلاف نسمة إلى مخيمات الإغاثة، وما زالت الحصيلة مرشحة للزيادة مع استمرار هطول الأمطار ووجود عدد كبير من المفقودين بينما تقدر قيمة الخسائر بمليارات الروبيات.
واياناد هي مدينة تقع في وسط جبال غاتس بولاية كيرالا الهندية التي تتميز بطبيعتها الخضراء الخلابة مما يجعلها واحدة من أجمل المدن الطبيعية في العالم، وتشتهر بأنها من أكبر المدن المصدرة لعديد من المحاصيل، ويوجد في المنطقة عديد من الشواهد والمعالم التي تدل على وجود سكاني في العصر الحجري، وهذا ما أثبته وجود البقايا والمراسيم التي تعود لعصر ما قبل التاريخ، وحكمتها الكثير من القبائل قبل أن يكتشفها المستعمر البريطاني كموقع مهم للتجارة العالمية. وتعرف واياناد بمزارع الشاي التي تمتد في ريفها، وتعتمد على مجموعة كبيرة من العمال للزراعة والحصاد، إلا أن عدة مزارع في المنطقة تعرّضت إلى أضرار جراء الانزلاقات الأرضية.
ولئن كانت الفيضانات غمرت في السنة الماضية في الجنوب الشمالي لولاية كيرالا من مقاطعات مالابورام وكوشين وترشور وكوتيم وإدوكي وما إليه، ففي هذه السنة شهدتها مقاطعة واياناد الجبلية التابعة لولاية كيرالا الهندية، كم من نفوس أزهقت؟ وكم من ديار دمرت؟ وكم من مساجد هدمت؟ وكم من نساء رملت؟ وكم من أولاد يتموا؟ وبتعبير أصدق يمكن القول: إن هذه المقاطعة بسبب الأمطار الغزيرة صارت كالعدم في خريطة الولاية وجعلت تربتها حصيدا كأن لم تغن بالأمس.
هناك عدة أسباب لحدوث الانهيارات الأرضية، أذكرها هنا إتماما للفائدة: أولا: إزالة مساحات واسعة من الغابات حيث إن هذه الغابات كانت تقع على منابع الأنهار والتي تستهلك كميات كبيرة من المياه وبالتالي تنخفض كمية الماء المستهلكة من النهر، وأيضاً نتيجة اقتلاع أشجار الغابات تفككت التربة وانجرفت إلى مجرى النهر، وثانيا: حدوث هزات أرضية في قيعان البحار، وثالثا: انصباب الجليد في الأنهار بعد انصهاره، ورابعا: العواصف القوية والأعاصير، وخامسا: حدوث زيادة في مستويات هطول الأمطار، وسادسا: انهيار السدود التي تختزن كميات كبيرة من المياه، وسابعا: حدوث تغيير في ضغط المياه أسفل المحيطات.
** **
- كلية السنية العربية كاليكوت، الهند