صالح بن عبدالحكيم بن صالح العُمري
قد يخطر في ذهنك أنَّ الحديث يتمحور حول المجال الطبِّي، واسمح لي القول بأنه خلاف ظنك؛ فالعنوان محل المقال يعكسُ مفهوماً أساسيَّا في العديد من المهن ومن أهمُّها مهنة المحاماة. فالمحامي لا ينحصر دوره في التمثيل القضائي وحسب، بل أنَّه يمثِّلُ دوراً مهمَّا في تقديم حلول قانونيَّة استباقيَّة كاللقاحات الوقائيَّة لتجنُّب الوقوع في أي نزاع، وبناء الأساس لحماية مصالح مُوَكِّليه وإن حصل نزاع فيكون موقف موكّله قويًّا كونهُ مستنداً على أساس قوي ومتين يُجنِّبُهُ أو يُقلَّل عنهُ الضرر.
من الواجب علينا كمحامين نشر ثقافة الوقاية القانونيَّة والتي من خلال تطبيقها تعكس على الموكّلين والمحامين منافعَ كُثُر، من أهمّها توفير الوقت والجهد والمال وعدم تفاقم المشاكل القانونيَّة وتعقيدها.
فطلب الاستشارة أو الخدمة القانونيَّة بعد نشوء نزاع أو طلب المشورة القانونيَّة في عقد تم إبرامه وإمضاؤه قد يتحقق منها النتيجة المرجوَّة في بعض الحالات، لكنَّها بالطبع ليست الحل الأمثل لأنَّك وببساطة قادر على تفادي كل ذلك باستشارة قانونيَّة استباقيَّة.
للأسف أن العديد من الشركات والمؤسسات يعتمدون في تعاملاتهم القانونيَّة على أشخاص غير مختصّين، ولا يلجؤون لمحام أو قانوني مختص إلَّا بعد وقوعهم في إشكاليَّات كانوا في غنى عنها. ولا بد لروَّاد الأعمال وأصحاب المال ومديري الشركات أن يعوا بأنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة تعيش مرحلة تحوّل في مجالات عِدَّة، ومن أهمِّها المجال العدلي والقانوني، فنحن اليوم نشهد ولادة أنظمة حديثة، ونعاصر مواد قابلة للحذف والتعديل، فمهما كان الموظَّف غير المختص ممارساً لبعض الأعمال القانونيَّة في الشركة فلن يصل لجودة المختصِّين من خبرات ومهارات تحليليَّة تمكِّنهم من ترجمة نصوص الأنظمة على أرض الواقع، وبالاستعانة بالمحامين أو القانونيّين المختصّين يتحقَّق الاستقرار والنُّمو في الأعمال التجاريَّة، وللأفراد من هذه العادة نصيب، فكم من استشارة قانونيَّة تأتي بعد فوات الأوان، كأن يقوم شخص بشراء عقار أو سلعة ويقوم بإحداث أثر قانوني مع طرف آخر ظنًّا منه أنَّ موقفه سليم ليجد نفسه في نهاية المطاف في مأزق، وعندها يقوم بالبحث عن محامٍ يخرجهُ من كمّ العقود والسندات التي أمضى عليها دون استشارة. والجميع يعلم أنَّ الثقة سائدة في مجتمعنا كون المرء يعمل بأصله، والتعاملات الماليَّة بين الأفراد سواء كانت سلفة، أو بيعا، أو شراء، أو إيجارا، أو غيرها من التعاملات الماليَّة يغلب التعامل بها بمبدأ الثقة، أو العجَلَة.
خلاصة الحديث، أنَّ الوقاية القانونيَّة هي جزء لا يتجزأ من إدارة المخاطر في شتَّى التعاملات، سواء كانت مدنيَّة أم تجاريَّة، والاستعانة بالمختصِّين هو تعزيز للحماية من الآثار القانونيَّة السلبيَّة الناتجة عن الاستهانة بعواقب الأمور، والأمثلة على الوقاية القانونيَّة عديدة ولا يمكن حصرها، لكن مغزى حديثنا أنَّه من مصلحة الجميع بلا استثناء تطبيق القاعدة الفقهيَّة» الضرر يُدفع بقدر الإمكان» من خلال تفعيل الجانب الوقائي في التعاملات المدنيَّة والشخصيَّة والتجاريَّة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (282) سورة البقرة.