عايض بن خالد المطيري
لم يعد خافيًا على أحد أن وسائل التواصل الاجتماعي، بمختلف منصاتها، قد أحدثت ثورة حقيقية في طريقة تواصلنا واستهلاكنا للمعلومات. لكنها لم تكتفِ بذلك؛ بل تجاوزت الأمر لتكون مرآة تكشف خبايا شخصيات كنا نحسبها رموزًا ومثالاً يحتذى به في المجتمع. فمن كان يُعتقد أنهم أصحاب مبادئ وقيم راسخة، باتوا يتعرّون أمام الكاميرات، ويظهرون بوجوه لم يكن يعرفها الجمهور.
ففي السابق، كانت الشخصيات العامة تتمتع بهالة من الاحترام والتقدير، تُبنى غالبًا على ما يُنقل عنهم من ايجابيات عبر وسائل الإعلام التقليدية. لكن مع دخولهم عالم وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت تظهر ملامح جديدة لهم. أصبح الجمهور قادرًا على رؤية تصرفاتهم في الحياة اليومية، واكتشاف أنهم ليسوا سوى أشخاص عاديين قد يفتقرون إلى المبادئ والقيم التي كانوا يدعونها.
ما يعكسه كثير من هؤلاء الشخصيات هو اندفاعهم اللافت للسعي وراء الشهرة بأي ثمن رغم أنهم معروفون وذوو شهرة. يقومون بنشر مقاطع فيديو تهدف لجذب الأنظار طلبا لزيادة عدد المتابعين، بغض النظر عن محتواها. وللأسف، كثيرًا ما تكون هذه المقاطع خالية من أي قيمة حقيقية، بل قد تحمل في طياتها رسائل سلبية ومحتوى مسيء يضر بسمعتهم ويشوه تاريخهم.
أحد الجوانب الأكثر إثارة للدهشة هو السطحية التي تتسم بها محتويات بعض هذه الشخصيات على وسائل التواصل الاجتماعي. تجدهم يستعرضون تفاصيل حياتهم الأسرية اليومية بطريقة فجة ومفرطة، ويشجعون على نمط حياة مادي وسطحي يركز على المظاهر بدلاً من القيم والمضمون. هذا الانتقال من عالم مليء بالمبادئ إلى عالم السطحية والتفاهة يعكس التناقض الكبير بين الصورة التي كانوا يظهرون بها في السابق وبين حقيقتهم اليوم.
حقيقة ما تكشفه وسائل التواصل الاجتماعي هو أن المكانة والشعبية لا يمكن أن تستمر بناءً على صورة مزيفة. فالجمهور بات أكثر وعيًا وقدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف. الشخصيات التي كانت تعتمد على وهج الإعلام التقليدي وجدت نفسها مكشوفة أمام حقائق جديدة؛ حقائق تظهر هشاشة مبادئهم وضعف قيمهم، مما جعل الجمهور يعيد تقييم مكانتهم وشعبيتهم.
لذا فوسائل التواصل الاجتماعي قد أظهرت لنا وجوهًا جديدة لأولئك الذين كانوا يبدون لنا كمثال يحتذى به. وكما قيل «المرآة لا تكذب»، فقد أصبحت هذه الوسائل مرآة تعكس لنا حقيقة هؤلاء الأشخاص، وتدعونا لإعادة التفكير في القيم والمبادئ التي نعتبرها أساسًا لتقديرنا واحترامنا لشخصيات معينة.
في النهاية، يبقى القرار للجمهور، الذي بات يمتلك القدرة على التمييز بين الغث والسمين، واختيار من يستحق أن يكون قدوة ومثالاً يحتذى به.