د. هيثم الصديان
كلّنا سمع بحكاية ( نكتة) ابن القرية الفقيرة «الشابّ الطائش» الذي غلب القسّ الذي جاء يتحدّى القرية المسلمة بعلمه الكهنوتي، فهال أهل القرية البسطاء عديمو التعلّم أن يتصدّوا لهذا الحبر. لكنّ الشاب، «الأزعر/ المشكلجي» الذي لا يفقه من دينه ولا دين غيره شيئاً، هزم الحبر في مناظرة سيميائية لم تعتمد إلّا على الإشارة وهما متواجهان وجهاً لوجه، وحشود القرية الفقراء تعليماً وحياة وثقافة وفكراً ومعاشاً يحتشدون حولهما في ساحة مسجد القرية:
القسّ: يشير بسبّابته.
الطائش: يشير بالسبّابة والوسط.
القس: يشير بإصبعه إلى السماء.
الطائش: يشير بذات إصبعه إلى الأرض.
القس: يخرج من جلبابه وتحت قلنسوته بيضة.
الطائش: يخرج دجاجة.
بعدها يسجد القسّ ويقرّ بهزيمته في هذه المناظرة العلميّة أمام هذا الشابّ المسلم، ويخرج مولّيا الدبر من القرية، حسيراً ذليلاً، جارّاً وراءه خيبته وطارداً أمامه قطيع انكساره وخذلانه، بعد أن حلّل لمن رافقه إلى تخوم القرية سيمياء المناظرة وفسّر لهم إشاراتها:
(الواحد تعني الرب. اثنان تعني الربّ والابن/ الإشارة نحو السماء تعني رفع السماء وخلق ملكوته. الإشارة نحو الأرض تعني بسط الأرض وخلق خلقه/ البيضة تعني يخرج الميت من الحيّ. الدجاجة تعني يخرج الحي من الميت).
وبعد أن ولّى القسّ، قال الطائش متباهياً بنصره: هدّدني بقلع عيني. فهدّدته بقلع كلتا عينيه/ هدّدني بتطيري في السماء. فتوعّدته بدفنه في الأرض/ افتخر عليّ بأنّ لديه بيضة. فأخرجت له دجاجة كنت رأيتها في طريقي واشتهيت أكلها بعد المناظرة فأحضرتها خوفاً من شرودها وعودتها لأصحابها بعد المناظرة/. وختم قائلاً لأهل القرية: «المسألة أهون ممّا تصوّرون».
كذلك الأمر: تخيّلوا لو رمى العرب وهم القانون الدوليّ وبروتوكولات التسليح وحقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة وهالة التفوّق التسليحيّ الإسرائيلي وخوفهم من الحبر الأمريكي وغضبه؛ فأمدّوا المقاومة بالسلاح، بدلاً من تركها تجابه الجيش الإسرائيلي المدعوم بأعتى سلاح الكون بعتاد ذاتيّ التصنيع يصيب ولا يفيد (فأمريكا تمدّه بمددها وتلهمه الخلاص ببشرات أقوى ما وصل إليه ملكوتها التسليحيّ وأعتى عزرائيلاتها، كما مدّت أوكرانيا بأقوى الأسلحة للدفاع عن نفسها. فهي تدعم حليفها وتمدّ رسل موتها محتلّين مهاجمين أو محتلّين مدافعين). في حين أنّ المقاومة في معظم ضرباتها هي تصيب هدفها فنرى صورة النيران، ولكن هذا لا يعني أنها دمرته، لهذا تلك الصور الخاطفة لرفع المعنويات ليس أكثر.
لكن لو تمدّ هذه المقاومة بالسلاح لما احتيج إلى كلّ تلك الأشهر من القتل والإبادة ووهم المفاوضات، ولما استغرق إنهاء الحرب مدّة تزيد على مدّة المناظرة السابقة بين الحبر الأعظم والشابّ الأزعر.
(إنّ تكلفة المفاوضات وحدها، زمناً وضغطاً سياسيّاً وضيافة ومصاريف، أكثر بكثير من تكلفة السلاح الذي ينهي الحرب في جولة واحدة).