الطائف - واس:
تنسدل أشعة الشمس على جبال الطائف من الشروق حتى المغيب؛ لتشد إليها رحال السياح المحليين والأجانب بشوقٍ محمل برسائل الاستعجاب في تكوينها الخلاق، وفرصة الاستجمام في جوف ضفاف مستقرها الجذاب، الذي تتشكل من خلاله مفردات الطبيعة، وترتبط بها توأمة الجمال والإبداع في هندسة تضاريسها، حتى أضحت هذه الجبال أيقونة تتغنى بها أفواه الشعراء، ومقطوعة عذبة تحمل نبساً يفاخر من سكن أرضها بعزفها.
وتشكل جبال الطائف ودحولها الغامضة والشيقة في أكمتها المتعالية ومرتفعاتها الجبلية لوحة أخاذة تحيط بالمدينة على شكل سور حصين من جهاتها الأربع، تعكس مظاهر ومعالم ونمط ولمحات السكان، الذين أطلقوا عليها مسميات عربية عتيقة منذ الأزل تلفظ من منطقة لأخرى، سواء في أشكالها أو ما كتبت من أحدث تاريخية حصلت في عرينها، أو ما تضفيه من تنوّع حيويّ، لتكون بشهرة ألقابها متنفسًا تزدان فيها أيكة النباتات العطرية والغابات الكثيفة والمنحدرات التي تنمو في ربوعها المليئة بالأزهار النابضة بالحياة، وروح الهدوء والتواصل مع تراث الطائف الغني قولاً ومعنى.
وتستحق جبال الطائف الواقعة في رابية السروات «عناء المغامرة» لمشاهدها البانورامية الساحرة والمطلة على المناظر الجيولوجية المواكبة للمناخ المعتدل والوادعة في غمد الأودية الباهية لتجسد حين النظر إليها بواخر تجري في بحر الضباب من زوايا عديدة ومنها مناظر وادي الفرع ووادي السيل المحرق، ووادي ذي غزال ووادي الشعبة ووادي حرجل ووادي الشري ووادي البو ووادي تنقد ووادي القر بني عمر ووادي رمان وغيرها من الأودية، ووادي محرم ووادي بلاد طويرق ووادي ليه ووادي ذي غزال ووادي خماس ووادي قاوة التي تعد شديدة الخصوبة بانتشار المزارع الخضراء بين ضفافها.
وتشمخ شاهقات الطائف على طبوغرافية متباينة، بعناصر كثر من الكهوف والمنحدرات الحادة، والتشققات والانكسارات البديعة في ارتفاع يصل إلى 2700 متر فوق سطح البحر، والتي تستقبلها أشعة الشمس في أولى ساعات الصباح الباكر عن غيرها من قمم العالم، ليطوق صخورها البيضاء العملاقة، لتساعد المحبين لرياضات التسلق على الحركة والصعود؛ وتكون خريطة على حب الاستكشاف، فيزاحم بها الزوار حبا في حضرة الجبل من كافة مناطق المملكة ومن دول الخليج العربي والدول العربية والعالم تقربًا منها، لنوعيتها النادرة.
وأكد المختص في قراءات تاريخ الطبيعة حسن العصيمي، أن جبال الطائف كجبل دكا، وجبل ساق، والريان وجبل حمران وجبل شُعار وجبل الأديم وجبل المسامة، وجبال بنيوس، والريع الأصفر، والصور، وجبال الفيه وغيرها الكثير، لم تحمل الجمال فقط، بل دونت التاريخ على صخورها بنقوش حضارات متعاقبة، حيث لم تلتزم النقوش الوافرة بها، بقاعدة معينة، وذلك تبعاً لظروف الموقع وشكل الصخرة التي حفر النقش الكتابي عليها، وما يتبعها من انحناءات وانبعاجات، لافتًا إلى أن هذه النقوش ظهر بعضها في المناطق الزراعية أسفل الجبال وبين ضفاف أوديتها، كوادي عرضة، ووادي الهدا، وليه وغيرهم الكثير، بالإضافة إلى بعض النقوش في الأماكن التي يكثر ارتياد الناس إليها كما في نقوش أم العراد، وجبل أم السباع، والردف، وعلى الدروب القديمة بين الجبال، وعلى أطوال الطريق من الهدا إلى ثقيف، ونقش ربع المخاري ببلاد بني الحارث، وقد تتفاوت النقوش في كثرتها أو قلتها من منطقة لأخرى تبعاً لوظيفة المنطقة واستراتيجية موقعها.