نجلاء العتيبي
يشاهد الصغار بعينٍ مندهشةٍ كيف كان يعيش أجدادهم في حين يجد الكبار في تلك اللحظات فرصةً لاستعادة صور الطفولة، واسترجاع فرحها مع كل صيف جديد، تنفتح أبواب الذكريات، وتنساب نفحات الماضي؛ لنعيشها مجددًا عبر فعاليات وزارة التراث والسياحة كنافذة على تأريخنا العظيم مهرجانات وفعاليات تُسلِّط الضوء على التراث والموروث الشعبي بكل أشكاله؛ لتعزيز روح الانتماء والفخر بالهوية الوطنية.
إن التراث هو الشريان الذي يُغذِّي هوية الإنسانية، ويمنحها طابعها الفريد وأصالتها، عندما نتحدَّث عن التراث، فإننا نستدعي ذكرياتٍ وتقاليدَ وثقافاتٍ مرَّت عبر الأجيال، محمولة على أكتاف الزمن؛ لتصل إلينا مليئة بالحياة والحكمة، التراث ليس مجرد حفنة من العادات والتقاليد، بل هو المرآة التي نرى فيها أنفسنا، ونكتشف من خلالها جذورنا، ومعالم شخصيتنا الجماعية.
التراث يلعب دورًا محوريًّا في بناء الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات، فمن خلال التراث نتعرَّف على تاريخنا، ونستوعب تجارب أجدادنا، ونستفيد من الحكمة المتراكمة على مرِّ العصور، فالتراث هو الحبل السري الذي يربطنا بماضينا، ويمنحنا الإحساس بالانتماء والاستمرارية، بدون هذا التراث، نكون كأشجار اُقتلعت من جذورها، تتمايل مع الرياح دون هدف أو اتجاه.
التراث أيضًا يُشكِّل مصدر إلهام لا ينضب للفنون والآداب، فهو المادة الخام التي يستلهم منها الشعراء والكُتاب والفنانون أعمالهم، ويعيدون صياغتها بطرق مبتكرة تعكس روح العصر، وتستجيب لتحديات الحاضر، فالتراث بذلك يصبح وسيلة لإثراء الحياة الثقافية والفنية، وجسرًا يربط بين الماضي والحاضر، ويضيء طريق المستقبل. ولكن أهمية التراث لا تقتصر على البُعد الثقافي والفني فقط، فهو يمتدُّ ليشمل البعد الاجتماعي والإنساني، فالتراث يُعزِّز من التماسك الاجتماعي، ويُعمِّق من روابط الأخوة والتضامن بين أفراد المجتمع، فهو يُشكِّل قاعدة مشتركة من القيم والمعتقدات التي تجمع الناس حول هدف مشترك، ويخلق بينهم شعورًا بالوحدة والتلاحم.
في ظلِّ العولمة السريعة والتغيرات المتلاحقة التي يشهدها العالم اليوم، يصبح الحفاظ على التراث أكثر أهميةً من أيِّ وقت مضى، فهو الحصن الذي يحمي هويتنا من التآكل والانصهار في الثقافات الأخرى، ويمنحنا القوة لنواجه التحديات بثقةٍ وثباتٍ، فالتراث يُذكِّرنا دائمًا بأننا جزء من سلسلة طويلة من البشر، وأن لدينا مسؤوليةً لنقل هذا الإرث الثمين إلى الأجيال القادمة.
هو القلب النابض للحضارة الإنسانية، والمصدر الذي يمدُّنا بالحياة والروح، هو الشعلة التي تنير طريقنا، والمرشد الذي يقودنا نحو مستقبل مشرق ومستدام، وعلينا أن نُقدِّر هذه الثروة الهائلة، وأن نسعى جاهدين للحفاظ عليها وتطويرها، كي نبقى أوفياء لجذورنا، ونكون قادرين على الإسهام في بناء عالم أفضل وأكثر تنوعًا وغنى.
فالتراث الشعبي ليس مجرد تراث ماضٍ، بل هو ركيزة أساسية في بناء روح البشر وهويتهم، إنه يمدُّنا بالحكمة، ويُعزِّز من تماسكنا الاجتماعي، يفتح لنا آفاق الإبداع، ويُعمِّق من فهمنا للطبيعة؛ لذا فإن الحفاظ على التراث الشعبي ودراسته يُمثِّلانِ خطوة ضرورية لفهم ذواتنا، وبناء مستقبلنا على أسس راسخة ومتجذرة.
إن التراث السعودي يعكس تاريخًا عريقًا وثقافةً غنيةً ومتنوعةً، يجب أن نستمرَّ في الحفاظ عليه وتعزيزه؛ لأنه يُمثِّل هويتنا وجذورنا، ويُسهم في تعزيز مكانة المملكة على الصعيدينِ الإقليمي والدولي.
ضوء
«وأكَّد خادم الحرمين الشريفين -الملك سلمان حفظه الله- في أكثر من مناسبة أن مجدنا في الاعتزاز بموروثنا الحضاري، وأن التراث يُجسِّد الماضي وتُبنى عليه حضارات الأمم في الحاضر والمستقبل».
«العربية».