مشعل الحارثي
الشيخوخة هي جزء من دورة الحياة ومرحلة من مراحلها وتتمثل في تلك التغيرات البيولوجية الطبيعية التي تحدث للإنسان بشكل مستمر وتدريجي وتظهر آثارها وعلاماتها على الجسد اعتباراً من بداية مرحلة البلوغ إلى آخر طور من حياة الإنسان، وبمعنى أنها مرحلة آتية لاشك فيها لكل من أمد الله في عمره وتجاوز سن الستين أو السبعين.
وجاء في تعريف الشيخوخة حسب معاجم اللغة أن الشيخوخة غالباً ما تكون بعد الخمسين من العمر، وهي مرحلة مافوق الكهولة ومادون الهرم والتي عدها البعض بالمرحلة الذهبية في حياة الإنسان.
سيفضح العمر ما كنا كتمناه
ويعلم الناس كم أودت بنا آه
ما الشيب إلا حين كان في دمنا
وما التجاعيد إلا ما حسبناه
إن ظاهرة شيخوخة المجتمعات هي ظاهرة بدأ الاستعداد لها ولتحدياتها المتعددة تحل على قائمة اهتمام شعوب العالم منذ إعلان منظمة الأمم المتحدة، ناقوس الخطر في تقريرها الصادر عام 2000م بعنوان «الشيخوخة في القرن الحادي والعشرين: فرصة للاحتفال ومواجهة التحديات» والذي أكد على ضرورة الاستعداد للتحديات التي ستفرضها شيخوخة المجتمعات البشرية خلال العقود القادمة، وخصوصاً في الدول النامية، على صعيد نظم الرعاية الاجتماعية، ونظم الرعاية الصحية، ونفقات التقاعد والمعاشات، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية الخاصة، مثل الإهمال، وسوء المعاملة، والعنف ضد كبار السن.
وتراجع دور الأسرة الممتدة، والذي أوضح أبعاده أيضاً تقرير هيئة الأمم المتحدة لعام 2022م عن تزايد وتيرة شيخوخة السكان في العالم عما كانت عليه في السابق ووصول أعداد المسنين في العالم بحلول عام 2050م إلى ما يزيد على (2) مليار شخص وزيادة من تجاوزت أعمارهم عن الـ (80) عاماً وأكثر إلى ثلاثة أضعاف.
وتأكيداً لأهمية هذه الشريحة الغالية من المجتمع وماتلقاه من تجاهل وإهمال وسوء في المعاملة فقد حدد العالم الأول من أكتوبر من كل عام للاحتفال باليوم العالمي لكبار السن للتوعية والتذكير بالعناية بهم والتعريف بحقوقهم الاجتماعية والصحية والنفسية.
وإذا كانت الشيخوخة تعتبر مرحلة النضج والوقار ومكنز التجارب والخبرات فحلول مرحلة التقاعد على الموظف والعسكري والمعلم والعامل والتي يعدها البعض نهاية المطاف وبداية مرحلة الشيخوخة إنما تعني في حقيقتها حلول مرحلة التنعم بالوقت والانطلاق والراحة الفكرية والجسدية والفكاك من أسر الوظيفة ونمطيتها وروتينها الممل، وكل من بلغ هذه المرحلة وهو يتمتع بكامل صحته وعافيته فهو لازال في ريعان الشباب وأوج العطاء وكما أشارت إلى ذلك أحدث الدراسات الألمانية التي حددت بأن عمر الشيخوخة يبدأ ما بعد سن (75) عاماً وليس كما جرى عليه العرف بأنه يبدأ بعد سن (65) عاماً ولذلك لابد أن يسخر المتقاعد حصيلته من تلك التجارب والخبرات السابقة فيما ينفع المجتمع ومن خلال مسارات الأعمال التي يمكنه أن يوظف خبراته بها.
لا تقل شيخوخة العمر فما
زلت حياً تتمناك الحياة
إنما الدنيا شباب دائم
بك ما دمت بعينيك تراه
أرأيت الشيخ يمشي بعصاه
ويدق الأرض يستجدي خطاه
إنه لولا شباب راسخ
في زوايا نفسه خارت قواه
ومع ما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله من اهتمام وخدمات كبيرة لتحسين رعاية كبار السن وتقديم مبادرات متعددة كصدور نظام حقوق كبار السن، وافتتاح دور الرعاية الاجتماعية، وتنظيم عمل العديد من الجمعيات الخيرية غير الربحية لدعم كبار السن، مثل (جميعة وقار) وكذلك خدمات وزارة الصحة المخصصة لكبار السن، و(خدمة تقدير) التي أطلقتها وكالة الأحوال المدنية للمسنين، إلا أن التحديات السابقة وضخامة الأرقام تفرض مضاعفة الجهود وزيادة عدد دور الرعاية لتشمل كافة مدن المملكة إلى جانب عمل الجمعيات الأهلية المتخصصة والمساندة، والتوسع في فتح عيادات المسنين بالمستشفيات الحكومية والخاصة، وزيادة عدد الأطباء المتخصصين في طب الشيخوخة، وتذكير المجتمع الدائم بحسن معاملة المسنين واللين معهم انطلاقاً مما تحث عليه تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وكذلك الحرص على تلبية متطلباتهم واحتياجاتهم وتخفيف متطلبات المعيشة عليهم، وعدم إشعارهم أنهم عبء على أسرهم وعلى المجتمع، تقديراً واحتراماً لما قدموه من تضحيات وخدمات جليلة طوال مسيرتهم العملية في خدمة الوطن والمواطن.