عبد الله سليمان الطليان
سوف أعود إلى تجربتي في التعليم مع مادة (التربية الفنية) التي تطورت مع الوقت وصار يطلق عليها الفنون الجميلة والتي هي فعلاً فنون جميلة لمن يملك حساً جمالياً حتى منذ عهد الطفولة, وهذا في حالة أن تكون للبيئة التي يعيش فيها الفرد دور كبير في تحفيزه وتشجيعه.
الرسم وفن النقوش موجود منذ القدم في الكهوف وعلى الصخور يعطي جمالاً وحكاية لطقوس وعادات مختلفة، طبعاً تطور مع مرور الزمن وصار يعبر عن ثقافة تميز الشعوب, وأصبح له مراكز ومدارس وأكاديميات متخصصة نظراً لأهميته. إذا عدنا لواقعه في التعليم فإن دوره كبير في جوانب متعددة لا يقتصر على جانب حس فني فقط، بل يتعداه إلى جانب اجتماعي وتربوي ونفسي التي يوجد لها دراسات وأبحاث كثيرة وهذا ما يهمني هنا، التجربة ثرية ببعض من المواقف التي سوف تكون لها أهميتها لدى من ثقافته مرتقية (لا تكون سطحية في تفكيرها أن الرسم شخابيط) ولقد كان هناك نسبة كبيرة في هذا المستوى من الفكر في الوقت الذي كنت فيه على رأس العمل.
تجربتي مرة بين المرحلة الابتدائية والمتوسطة، وكانت المرحلة الابتدائية والطفولة البريئة هي التي جعلتني أتعرّف أكثر عن الأثر الاجتماعي والنفسي لمادة (التربية الفنية) على شخصيات التلاميذ، فكان التلميذ أحياناً يعبر عن معاناته أو مشاعره بشكل عفوي من خلال الرسم، وإليكم المثال طلبت من التلاميذ عدة مرات (رسماً حراً) في مرحلة الصف الثالث الابتدائي، كان هناك تلميذ يكرر رسم صواريخ ملونة كبيرة وصغيرة شدني هذا فناقشت التلميذ لماذا يكرر رسم هذه الصواريخ الملونة قال التلميذ لي إن هذه الصواريخ كانت معي ولكن أخي الأكبر أخذها مني بالقوة، طلبت من أبي أن يعيدها لي ولكنه غضب مني ونهرني، عند الرجوع لواقع الأسرة كان الأب والأم في مستوى تعليمي متدن. والمثال الآخر كان هناك تلميذ يرسم صورة الأب بحجم رأس كبير وعيون واسعة وجسم نحيل، سألت التلميذ عن هذا الرسم فقال إن أبوه يغضب كثيراً ويشتم ويسب أمه في البيت، فقام برسم أبيه بهذا الشكل. وأشير أخيراً لمثال ولكن ليس في واقعنا، بل كان في مصر وذكر هذا في كتاب قيم للدكتور محمود البسيوني حاصل على Ph.D.، M.A. من جامعة ولاية أوهايو بأمريكا عنوانه (سيكلوجية رسوم الأطفال) وهو غني جداً بالبحث والدراسة عن رسوم الأطفال، ذكر في كتابة أن أحد معلمي (التربية الفنية) في المرحلة الابتدائية تعرف إلى تلميذ كان يقوم بالسرقة من خلال تكرار رسم الأقفال بشكل مستمر.
يقول مؤرّخ الفن الإنكليزي هربرت ريد (الفن يخرج الأطفال من الاهتمام الضيق بنفوسهم إلى رحاب الحياة الواسعة. ربما يبدأ كنشاط فرد؟ مستقل كتخطيط ينصرف الطفل بكليته إلى مزاولته على قطعة من الورق ولكن الطفل يخطط لكي ينقل عالمه الداخلي إلى متفرج عطوف إلى.. والده الذي ينتظر الطفل منه الحنان في استجابته.. ولكن مع الأسف، إن الطفل لا يجد إلا وجوهاً غير راضية، وألسنة ساخرة. وليس أسوأ على روح الطفل اليانعة من تحقير أب أو مدرس لجهوده الابتكارية التي يظهرها في تعبيراته. إن هذا لمن العوامل التي تشين مدنيتنا الفكرية، والتي في رأيي، تمثِّل أحد مواطن العلة في تدهورنا الاجتماعي.