د.محمد بن عبدالرحمن البشر
حدث خلل تقني بسبب بشري في أجهزة شركة مايكروسوفت العملاقة، التي لا ذنب لها بما حدث، فقد اعتادت منذ زمن على التعاقد مع شركة كراودستراك للأمن السيبراني، وكانت الأمور تسير بشكل جيد لسنوات عديدة، لكن تحديثاً روتينياً معتاداً من شركة الأمن السيبراني أحدث خسائر جمة للعالم أجمع بعد أن صاحب التحديث ذلك الخلل المشهود والمؤثر، فقد توقفت بعض المطارات وتأخرت الرحلات وامتلأت المطارات بالمسافرين، وتعطلت بعض المستشفيات، وتأجلت بعض العمليات الجراحية العاجلة، وتوقفت الكثير من المنافع للدول التي تستخدم وندوز التابع لمايكروسوفت في خدماتها اللوجستية، واضحت كثير من دول العالم لبضع ساعات تواجه شللا في بعض منافعها، ومنها من حاول تدبير أمره باستخدام العمل اليدوي بشكل مؤقت لتقليل الضرر، ولكن مفعول ذلك كان محدوداً جداً، ويكاد يكون غير فعال.
اعتاد الناس في حياتهم الحالية على استخدام التقنية في جميع مناحي حياتهم، واعتادوا على ذلك حتى أصبح الأمر جزءا من روتينهم اليومي المعتاد، فبعد قيام أغلب الناس من النوم ينظرون الى جوالاتهم، ويقرأون في آيبادات خاصة بهم، ويحجزون لسفرهم عبر التقنية، ويحولون الأموال باستخدامها، كما ان المرافعات القضائية والالتزامات القانونية في البيع والشراء وكتابة العقود تتم عبرها، وغير ذلك كثير، حتى أصبح إنسان اليوم أسير التقنية التي وفرت له الوقت والجهد، وساعدت على الضبط وحفظ الأرشيف، وقللت من الاجتهادات الشخصية، لكنه أصبح أسيرها فعندما يحدث خلل مثل ما حدث فإن الأعمال اليومية في العالم تصاب بالشلل، فقد دخلت كل بيت وعمل، وقيدت الناس بالإتكال عليها حتى إنه لا يمكنه الفكاك منها، كما ربطت العالم مع بعضه حتى أصبح قرية واحة مرغما، أو عن طيب خاطر، وهكذا أصبح لهذه للشركات العملاقة شأن عظيم في الحياة اليومية للبشر، وليست هذه الشركة فقط المؤثرة في المشهد، فغيرها له جزء غير بسيط من التأثير، مثل شركة أبل وجوجل، التي لا يكاد يستغني عن خدماتهما أحد.
وشركة مايكروسوفت وأبل هما الأعلى قيمة سوقية في العالم، إضافة إلى المزود لهم بالذكاء الاصطناعي وهي شركة انفيديا، وبعدهما تأتي شركة جوجل، وقد دفع ذلك الخلل بأسهم شركة كراودسترايك إلى خسارة فادحة، كما خسرت شركة مايكروسوفت بعضا من مكاسبها، وفي ظني أن ذلك سيكون مؤقتاً وسوف ينسى العالم ما حدث وتعود الأمور إلى مجاريها، إلا إذا أقيمت دعاوى كثيرة من المتضررين على هاتين الشركتين، وصدر في حقهما تعويض كبير، والأبعد أثراً لو أن دولاً فكرت في إيجاد وسيلة للحد من الاعتماد عليهما حتى لو تطلب الأمر تكلفة أعلى، كما فعلت الصين وروسيا لأسباب سياسية وأمنية، اللتان لكل منهما نظامه الخاص فأصبحا بمنأى عما حدث، وكان خوفهما نابعا من خشية التجسس وجمع المعلومات، وأسباب أمنية أخرى، والأهم من ذلك عدم التحكم بالخدمات المقدمة لهما واستخدامها كوسيلة للضغط السياسي والاقتصادي عند الحاجة الملحة، ولو ان دولة مثل الهند اتخذت قراراً بالبعد عن ميكروسوفت فإن ذلك سيكون له أثر كبير على الشركة، وهكذا فإن للتقنية أثرها الكبير في حياتنا اليومية.