د. تنيضب الفايدي
حاجر اسم معروف في المدينة المنورة، واقترنت بالمنحنى والنقا، كما ارتبطت بالأدب حيث أثرت تلك المواقع الأدب وحبّ المدينة النبوية، والمنحنى يقصد به منحنى وادي بطحان عند دخوله المدينة المنورة القديمة، والنقا يبدأ من المنحنى حتى أرض السقيا (باب العنبرية).
أما حاجر فهو موضعٌ بالمدينة غربي النقا الذي يبدأ من الجانب الغربي لوادي بطحان حتى نهاية حرة الوبرة (الحرة الغربية) عند اتصالها بوادي العقيق. وحرة الوبرة إحدى اللابتين المذكورتين في الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: (إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين). رواه البخاري، وتحيط من جميع جهات المدينة المنورة عدا الشمال مجموعة من الحرار – جمع حرة – ومن تلك الحرار اللابة الغربية (حرة الوبرة)، واللابة الشرقية (حرة واقم)، ومن الجنوب الغربي حرة بني بياضة، ومن الجنوب الشرقي حرة شوران تتصل بها حرة بني قريظة التي تتصل بحرة واقم، ومن يتتبّع أسماء المواقع للمدينة المنورة يجد أن كل جزء في طيبة الطيبة له مسمى تاريخي، مهما صغر ذلك الجزء، وقد تغنّى بذلك الشعراء، وكتب عنه الأدباء، سواءً استوطنوه أو سمعوا عنه، ومعلومٌ أن حبّ المواقع والحنين إليها يولّد الشعر الرقيق والأسلوب الرائع والأدب الرفيع؛ فحبّ الإنسان لأهله، ومنزله، وموطنه، وحنينه إلى ذلك، يعتبر من رقة القلب، وسلامة الصدر، ويقظة الضمير، والفطرة السليمة، فانظروا إلى قول المحبّ: (إذا قيل العقيق وحاجر، اشتدّ الشوق وسالت الدموعُ من المحاجر) ذلك لأنّ من قال تلك العبارة سكن العقيق وحاجرٌ قريبٌة منه وتنتهي إليه، فعبّر عن شوقه بالدموع، والعقيق إحدى الأودية الشهيرة بالمدينة المنورة تغنّى به الشعراء كثيراً، والمحاجر التي وردت مع العقيق هي التي عناها الشاعر في قوله:
إحْفَظْ فُؤَادَكَ إِنْ مَرَرْتَ بِحَاجِرٍ
فَظِباؤُهُ مِنْها الظُّبَى بِمَحَاجِرِ
فالْقَلْبُ فِيهِ وَاجِبٌ مِنْ جائزٍ
أنْ يَنْجُ كان مُخَاطِراً بِالْخَاطِرِ
إذاً: المحاجر ما تستقر به العيون، وكم للعيون من سهام للصيد، ولاسيما من تدخل ضمن حور عين فكلمة عين (جمع عيناء) أي: واسعة الأعين، واستشهد بعض محبي الوطن بتلك السهام في مطلع قصيدة وطنية حيث يقول:
أتُراهَا تُحِبُّنِي ميسونُ
أم توهّمتُ والنساء ظنونُ
كَمْ رسولٍ أَرْسَلْتُه لأَبِيْهَا
«ذَبَحَتْهُ» تحتَ النِّقَابِ العُيونُ
ثم ذكر بلاده ومدى حبه لها.
يقول الكاتب: حاجر جزءٌ من الحرة الغربية (حرة الوبرة) وهي إحدى اللابتين المذكورتين في الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: (إني أُرِيتُ دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين)، وتحيط -من جميع جهات المدينة المنورة عدا الشمال- مجموعة من الحِرار، ومن يتتبّع أسماء المواقع للمدينة المنورة يجد أن لكل جزء في طيبة الطيبة مسمى تاريخي، مهما صغر ذلك الجزء، وقد تغنّى بذلك الشعراء وكتب عنه الأدباء، سواءً استوطنوه أو سمعوا عنه، ومعلومٌ أن حبّ المواقع والحنين إليها يولّد الشعر الرقيق، والأسلوب الرائع والأدب الرفيع؛ فحبّ الإنسان لأهله، ومنزله، وموطنه، وحنينه إلى ذلك من رقة القلب، وسلامة الصدر، ويقظة الضمير، والفطرة السليمة، فانظروا إلى قول المحبّ: (إذا قيل العقيق وحاجر، اشتدّ الشوق وسالت الدموعُ من المحاجر)، ذلك لأنّ من قال تلك العبارة سكن العقيق، وحاجرٌ قريبة منه وتنتهي إليه، فعبّر عن شوقه بالدموع، والعقيق أحد الأودية الشهيرة بالمدينة المنورة، وقد تغنّى به الشعراء كثيراً، والمحاجر التي وردت مع العقيق هي التي عناها الشاعر في قوله:
احْفَظْ فُؤَادَكَ إِنْ مَرَرْتَ بِحَاجِرٍ
فَظِباؤُهُ مِنْها الظُّبَا بِمَحَاجِرِ
فالْقَلْبُ فِيهِ وَاجِبٌ مِنْ جائزٍ
إنْ يَنْجُ كان مُخَاطِراً بِالْخَاطِرِ
ومثل هذا الشعر لحبّ الوطن يعمل على ربط الإنسان بحبّ وطنه برباط وثيق لاينفصم ويولّد العاطفة والحنين إلى وطنه دائماً، وكم ذُكرت حاجر ولاسيما إذا مُطِرَتْ،.قال الشاعر:
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْ مَحاجِرَ حَاجِرٍ
وَعَنْ أَثَلاتٍ رَوْضُهُنَّ نَضِيْرُ
وَعَنْ عََذَبَاتِ البَانِ يَلْعَبْنَ بالضُّحَى
عَلَيْهِنَّ كَاسَاتُ النَّسِيْمِ تَدُور
وَمَنْ لِي بِأَنْ أَرْوَى مِنَ الشِّعْبِ شَرْبَةً
وَأَنْظُرُ تِلْكَ الأَرْضَ وَهْيَ مَطِيرُ
وقد شاهد الكاتب حاجر أثناء المطر، وكم ولّدت في نفسه من حبٍّ عميق لتلك الصخور السوداء -إي والله- لأن ذلك يُفعم القلب محبةً والنفس سرورا.
وارتبطت حاجر بالنقا، ولله درُّ القائل:
لا تلتفت بالله يا ناظري
لأهيفٍ كالغصن الناضر
ما السَّرْب ما البانُ وما لَعْلَعٌ
ما الخيف، ما ظبي بني عامر
يا قلب فاصرف عنكَ وَهْم النَّقا
وخلَّ عن سرب حمى حاجر
وتبدأ حاجر من (باب العنبرية حالياً) وأرض باب العنبرية تسمى أرض السقيا واستعرض بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج معه لغزوة بدر وردّ بعض صغار الصحابة، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمدينة بالبركة في هذا الموقع قال صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لنا في مدّنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وأنّه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه). متفق عليه، وبها (أي: ببداية حاجر حالياً مسجد السقيا داخل بقايا محطة قطار الحجاز، ومن هذا الموقع تبدأ حاجر وتنتهي إلى وادي العقيق (بطول 2كم تقريباً)، وحاجر عبارة عن صخور سوداء صعبة المسلك وليست قديماً ما يشجع على السكن فيها ولكن حُبَّها خَالَطَ قلوبَ المحبِّين، ومع أنها صخورٌ سوداء فهي في سويداء القلب وسويداء المُقلة، قال أحدهم:
فَغَرَامِي القَدِيمُ فِيكُمْ غَرَامِي
وَ وِدَادِي كما عَهِدتُمْ وِدَادِي
قدْ سَكَنْتُمْ مِنَ الفُؤَادِ سُوَيْدَاهُ وَمِنْ مُقْلَتِي سَوَاءَ السَّوَادِ
مثل هذه الكلمات عن أجزاء المدينة المنورة ترقق القلب وتدخل الحبّ في كل مسلم ومسلمة لهذه المدينة مدينة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، كما تولّد الكلمات العذبة لمن أراد أن يكتب عنها، أو عن السيرة المكانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تمثّلها المدينة المنورة، وهي بالتالي تحقق حبّ الوطن، لكلّ فئات المواطنين، سواءً كانوا مثقفين أو غير مثقفين، كما يستثير حبّ المدينة العلماء والشعراء رجالاً ونساءً إلى توسعة هذا الحبّ ليشمل الوطن الغالي كاملاً.
أقول: إن المواقع المذكورة معروفة في المدينة المنورة، ونظراً لشهرتها فقد جاء ذكرها في الأدب العربي كثيراً، كما ذكرت سابقاً، وقد اعتمد كثيرٌ من المؤرخين على الشعر في تحديد المواقع، ولاسيما في المدينة المنورة،ومن يتتبع أخبار محبّي المدينة يجدْ ثقافة واسعة وعميقة لدى كلّ محبّ، حيث تذكر الأماكن داخل المدينة المنورة حسب مواقعها تماماً، وكأنّ من كتب عنها قد وقف عليها، علماً بأن دقة تلك الأماكن قد ترد من محبٍّ لم ير المدينة المنورة نفسها، وبعضهم يربط بين مكانين قد تكون بينهما مسافة ولكنهما داخل المدينة المنورة مثل:
حدِّثاني عن قامةٍ ورُضاب
أشغلاني عن كل غصنٍ ورِيقِ
وصِفا لي ثغر الحبيب فإني
ذو اشتياق إلى النَّقا والعقيق
جنوب المصلى هو المنحنى، والمنحنى والنقا وحاجر إضافة إلى المصلى (الغمامة) تلهب مشاعر المحبين، فصاغوها شعراً وأدباً شوقاً إلى المدينة ، قال الشاعر وهو يذكر الحمى، حاجر، الجزع، المنحنى في قصيدة واحدة:
الدَّمْعُ هَامٍ والحَشا هَائمْ
وَالجفنُ دَام والجوىَ دَائمُ
يا مَنْ خَلا مِنْ حُسْنهِمْ نَاظِري
في القَلْبِ مَغْنَاكُم ومَعَنَاكُمُ
واللهِ ما سارَتْ بأرضِ الحِمَى
ركابنا إلا ذكرْناكُمُ
ولاسَرتْ مِنْ نَحْوهِ نَسْمةٌ
إلاّ عَرفْناها بِرَيَّاكُمُ
سَقَى ليالينا على حَاجرٍ
غَيْثٌ وحَيَّاهَا وحيَّاكُمُ
لَيالياً بالوَصْلِ قَضيْتُها
ما كان أحْلاها وأَحْلاكُمُ
أَحْبابنا ما الجزْعُ ما المُنْحَنَى
ما رَامَةُ ما الشِعبْ لَوْلاكُمُ
ما قَامَ هذا الكَوْنُ إلا بِكُمْ
وَلا الوُجودُ المَحْضُ إلاكُمُ
وَلي بِجَرْعَاءِ الحِمَى شَادِنٌ
بِقَتْلِ أرْبابِ الهَوى عَالمُ
ما القَلْبُ عَنْه في الهَوى مائلٌ
ولا لَهُ في حُبِّهِ لائمُ
يَصْرمُ حَبْلَ الوِدِّ مَنْ مُنْصِفي
مِنْ صارمٍ في لحْظهِ صَارمُ
أشْكُو إليه مِنْهُ ما ألتقي
وَيْلاهُ مِنْ خصمٍ هو الحاكِمُ
المراجع:
الجواهر الثمينة للكبريت، المدينة بين الماضي والحاضر للعياشي، ديوان الشاب الظريف، ثقافة الأديب للدكتور/ تنيضب الفايدي، الأدب يخلد معالم الوطن للدكتور/ تنيضب الفايدي.