سلمان بن محمد العُمري
كشفت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أن إجمالي عقود الاستقدام التي تمت عبر منصة «مساند» خلال عام 2023، بلغ أكثر من مليوني عقد، إذ تمت إضافة دول جديدة لقائمة الدول المتاحة لاستقدام العمالة المنزلية، وقد بلغ عدد الدول المتاحة للاستقدام العمالة المنزلية النسائية 33 دولة، ولا يزال الاستقدام من إندونيسيا مقتصر على شركات التأجير..!!، وترى الوزارة بعد مراجعة التكاليف والخدمات المقدمة والأنظمة وفقاً للمتغيرات الاقتصادية، أنها خفّضت المنصة بتخفيض السقف الأعلى لأسعار الاستقدام للعمالة المنزلية في عام 2023 لعددٍ من الدول.
وهنا نطرح تساؤلات.. هل تزايد العمالة المنزلية بسبب توظيف النساء، أو تسجيل عمالة لأعمال وتسجيلها كعمالة منزلية، وما السبب لهذه الزيادة رغم ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل؟.
الأمر الآخر وعلى الرغم من جهود وزارة الموارد البشرية إلا أن ملف العمالة المنزلية لازال يشوبه الكثير من المعضلات، بدءاً من ارتفاع تكاليف الاستقدام وأجور العمالة المنزلية، وعدم ضمان حقوق المواطن عند تعنت العمالة المنزلية ورفضهم العمل أو هروبهم من كفلائهم، حيث إن المطلع على تكاليف استقدام العمالة المنزلية في الدول المجاورة والدول العربية الأخرى هي الأقل بينما في المملكة الأكثر ارتفاعاً وبشكل ملحوظ ومتزايد، وحتى شركات تأجير العمالة المنزلية مرتفعة للغاية، والمضحك المبكي أن قيمة الإيجار الشهري يعادل أو يزيد على راتب بعض العاملات السعوديات اللاتي يرغبن في العاملة المنزلية.
في الدراسة العلمية التي سبق أن قمت بها بعنوان: «المرأة السعودية والخادمة»، تم فيها تحليل جوهر المشكلة وأبعادها التفصيلية من خلال استطلاع لاتجاهات المرأة السعودية حول استخدام الخادمات الأجنبيات على مدار عقد من الزمن، وقد تم - ولله الحمد - الإفادة من نتائج الدراسة، والأخذ بالكثير من التوصيات التي ظهرت بها، ومما جاء في نهاية الدراسة أن الخادمة شر يمكن التخلص منه، وتجنب مخاطره التي لا تهدد الأسر التي تستخدم خادمات فحسب، بل تهدد صحة المجتمع وقيمه وثوابته، ودعت الدراسة الجهات الحكومية ذات العلاقة في المملكة إلى وضع نظام لعمل المرأة يمكنها من القيام بأعمالها المنزلية، وتربية الأولاد، وتقديم التسهيلات للأم العاملة، وإعداد برنامج وطني للتوعية، وتدعيم الاتجاهات حول دور المرأة الفعلي ووظائفها التقليدية ونبذ الاتكالية، وترسيخ الاتجاه بأن الاعتماد على الخادمة ليس مظهراً حضارياً، ويلغي دور المرأة التقليدي، بل هو مضر بعملية التربية للنشء، ويمكن أن يشمل هذا البرنامج توعية الآباء والأمهات من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من المؤسسات الثقافية والتربوية، وأن وجود الخادمة في المنزل ربما يعكس فشل الأم في أداء دورها مما يعرض الأبناء للضياع والانحراف تربويا ودينيا وأخلاقياً بتأثير الخادمة.
وكشفت الدراسة أن غياب الأسرة المتواصل عن المنزل أدى إلى ضعف أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء ذكوراً وإناثاً والتي كان يقوم بها آباؤنا وأجدادنا وكبار السن في الأسرة، لكونهم مصادر التوجيه الوحيد والرعاية للأطفال التي يجد فيها الطفل مصدراً يتشرب من خلاله عادات وتقاليد الآباء والأجداد، حيث تأتي أهمية رعاية كبار السن لأطفالنا في حالة تعذر وجود الأم وغيابها لبعض الوقت للعمل أو التعليم.
وأبانت الدراسة أن من أقوى الأسباب لدى المرأة السعودية لاستقدام الخادمة هو المساعدة، أو الإشراف على المنزل والأطفال، والسبب الثاني هو عدم ملاءمة العمل أو عدم إمكانية التوفيق بين العمل والمنزل، كما بينت الدراسة أن استخدام الخادمة شر تمليه الضرورة أحياناً ومن اجل التخلص منه لابد من العمل وبشكل مدروس ومنظم.
وأهابت الدراسة أيضاً بالمجتمع السعودي بتضافر الجهود على المستوى الرسمي والشعبي للقضاء على ظاهرة استخدام الخادمة «العاملة المنزلية»، أو الحد منها ومن تفاقم آثارها، ووقف الاستخدام الذي لا مبرر له في كثير من الحالات لمثل هذه العمالة دون حاجة فعلية لها، إلى جانب تعويد الأبناء ذكوراً وإناثاً منذ الصغر على الاعتماد على النفس في قضاء حاجاتهم، وتعليمهم النظام، والبدء بعملية التوعية قبل بداية دخولهم المدارس.
ودعت الدراسة إلى إحكام الرقابة على مكاتب الاستقدام بحيث لا يتسرب إلى المجتمع السعودي نوعيات من الخادمات لا ينبغي وجودها في هذا المجتمع المسلم المحافظ، ووضع نظام لعمل المرأة يمكنها من القيام بأعمالها المنزلية وتربية الأولاد، وتقديم التسهيلات للأم العاملة كتمديد فترة إجازة الوضع والرضاعة إلى عام على الأقل بما يمكنها من القيام بدورها في العناية بالطفل ورعايته على الوجه الأكمل، واشارت الدراسة إلى أن من المهم إعداد دورات تدريبية للخادمات قبل التحاقهن بالعمل لدى الأسرة السعودية، وتزويدهن بمبادئ اللغة العربية، ومبادئ وعادات وتقاليد المجتمع السعودي، وضرورة توحيد البيانات والإحصاءات حول هذه الفئة من العمالة الوافدة بحيث يمكن الرجوع إليها في سهولة ويسر، باعتبارها أطراً مرجعية للباحثين والدارسين لهذه الظاهرة المهمة التي تشغل اهتمام جميع أفراد المجتمع، باعتبارها مشكلة اجتماعية معاصرة تتطلب دراسات متعددة للإحاطة بها من جميع جوانبها وأبعادها بما يمكن من مواجهتها وحلها أو الحد منها أحياناً على الأقل.
ومازال الجميع ينتظر من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تقديم الكثير حيال معالجة قضايا ومشكلات العمالة المنزلية، بما يصب في مصلحة الوطن والمواطن، فليس دورها فقط في معالجة غلاء أسعار الاستقدام ومماطلة المكاتب وهروب العمالة أو تمنعهم من العمل، بل يجب أن تعنى الوزارة بدراسة وتقصي الآثار السلبية في استخدام العمالة المنزلية وتأثيرها على المجتمع بوجه عام وتأثيرها على الناشئة والمراهقين بوجه خاص.