تغريد إبراهيم الطاسان
يشهد مجتمعنا المحلي كثيراً من التغيرات والتبدلات والتحولات التي فرضتها الإنجازات العلمية الباهرة في شتى حقول العلم والمعرفة، ولعل من أبرزها تكنولوجيا الإعلام والاتصال وما يصاحبه من دور مؤثر وبارز في صياغة الحياة المعاصرة، ولعل من أهم تأثيراته التغير في نمط الفكر المجتمعي وما يرتبط به من قيم مجتمعية، الأمر الذي أدى إلى ظهور عادات وأنماط سلوكية وتقاليد اجتماعية وأخلاقيات جديدة ومحدثة، تظهر من خلال المظاهر والسلوكيات والتفضيلات التي تمارس ضغطًا كبيرًا من خلال الإعلام الجديد على الأجيال الصاعدة للانخراط فيها.
ومما لا شك فيه أن النظام الأسري يعتبر من أهم النُّظم الاجتماعية والحاضنات الثقافية والفكرية والسلوكية المعاصرة ذات الحراك والحضور اللافت والبين، إلا أنها وبشكل طبيعي جداً تأثرت بالتغيرات والتحولات الاجتماعية والتحديات الاقتصادية والثقافية، مما أثر على الأدوار والآراء والقواعد والقرارات والعادات والتقاليد الاجتماعية فيها، مما كان له انعكاس على البناء الأسري؛ حيث أصبح هناك تغير في الأدوار والمكانات والاهتمامات، رافقه العديد من الصعوبات التي تمر بها الأسرة والتحدي الذي يواجه قدرتها على السيطرة الكاملة كالسابق؛ مما يقلل من قدرة الأسرة على التحكم بمجتمعها الصغير بشكل يحقق مهامها وأهدافها؛ لذا أصبح من الضروري التعامُل مع أفرادها من الجيل الجديد وفق أسس تربوية محدثة تلائم حجمَ وطبيعة التحديات والتحولات التي يمر بها المجتمع، وذلك من خلال سعي الأسرة السعودية اليوم لأن تكون الحامية الأساسية لأبنائها في تعاملهم مع كل التحولات الفكرية والتقنية، وأن تكون الدرع الواقي لهم من التأثيرات السيئة لهذه التحولات المجتمعية من خلال تخصيص قدر كاف من الموارد (جهد - وقت- مال- مواد ووسائل تعليمية - أدوات تربوية) من أجل صياغة أفرادها صياغة إسلامية منضبطة، وهوية سعودية أصيلة، تحصنهم بعون الله من التحديات المعاصرة التي يواجهونها.
فما يحدث في العالم اليوم من تحولات ثقافية واجتماعية ورقمية ضخمة ساعدت في تكوين عالم جديد تتعدد خصائصه وتتباين توجهاته، نتج عنه مشكلات وتحديات عدة أكثر صعوبة وتعقيدا مما يظن البعض، حيث أصبح العنف غالبا على سلوك المراهقين، والاضطراب والتغريب الثقافي مهيمنا على تفكير كثير منهم.
ففي عهد «ثقافة الميديا» التي صنعت بفضل الفضاء الأزرق وإمبراطورياتها السمعية والبصرية، تشكلت مواد إعلامية متلونة في قالب مشوق جذاب للكل، يحمل مضامين للإثارة التشويق والمتعة ومعها يبّلغ خطاباته ورسائله الايديولوجية، ويبلغ أهدافه الاستهلاكية ليصل إلى تمرير كم معتبر من القيم والمواقف السلوكية التي تؤثر على وحدة وتماسك النسيج الاجتماعي والثقافي دونما نقد أو ممانعة من المتلقي.
ولقد بدأت نتائج هذا التطور الهائل في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تنعكس على القيم والتماسك المجتمعي من خلال انفتاح بلا حدود يستهدف فرض ثقافة غريبة عنا، وينطوي على إخضاع عقول المراهقين اختياريًا لمجموعة من القيم، والمعتقدات وأنماط السلوك والاستهلاك المضرة بعقولهم وأبدانهم واختيارهم لمسارات حياة غير مضمونة العواقب مستقبلاً.
يجدر بنا التأكيد على أن تماسك مجتمعنا وتآلفه وقدرته على تحقيق التنمية والتطور، وقدرته على مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه، يتوقف على مدى استثماره في النشء، إذ يسهم ذلك الاستثمار في الحفاظ على قوة المجتمع وتماسكه، بينما يؤثر ضعفه تأثيرًا سلبيًا على الواقع الاقتصادي والثقافي والفكري والاجتماعي للمجتمع السعودي داخليًا وخارجياً، فالتحديات التي تتعرض لها الأسرة السعودية في العصر الحالي ليست بالسهلة، حيث إن ما تستقبله العقول الغضة من خلال وسائل التواصل تفرض علينا نمطا للحياة، يزيد من اتساع الفجوة بين الأجيال، وبالتالى تتسع مسافة التفاهم والحوار والتقبل لأدوار الأسرة كقدوة ورابط يربط بين الجيل الجديد والقيم في المجتمع
ولكن ما يطمئننا أن مجتمعنا، ولله الحمد، بأيد قيادة أمينة بعد حفظ الله لنا.. حيث إن كل تبعات التحديثات والتحولات المجتمعية العالمية وانعكاساتها على التحولات المحلية مدروسة بعناية من قيادتنا الحكيمة.. وأن رؤيتنا منطلقة نحو عنان السماء بجذور من قيم ضاربة في عمق الوعي بالحفاظ على الهوية الاسلامية والسعودية.
والفرح والاطمئنان يزداد مع كل خطوة من خطوات فريق رؤية 2030 الذي أبدع وأبهر وأنتج لنا تفاعلات ومنتجات استطاعت أن تجعلنا نبدع وننجح في كل الميادين وفق إطار واضحة خطواته ومعالمه، والأمل يزداد في تخصيص جهود مضاعفة للدراسات والبحث الاجتماعي، من خلال تفعيل أقسام الخدمة الاجتماعية وعلم الاجتماع وعلم النفس بجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، لرصد اي ظواهر قد يكون لها تأثير سلبي، من أجل إيجاد الحلول وفرض واقع اجتماعي يجعلنا نستوعب كل هذه المتغيرات والتحولات المتسارعة لنستطيع من خلالها فهم أبنائنا والحوار معهم، وإقناعهم برؤى تصنع منهم جيلا سعوديا قادرا على إدهاش العالم كله.