واس - الرياض:
تشهد العاصمة الرياض تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، مساء اليوم الأحد الحفل الختامي لجائزة ميثاق الملك سلمان العمراني في نسختها الأولى بتنظيم هيئة فنون العمارة والتصميم، ضمن جهود الهيئة لتكون الجائزة جزءاً من إستراتيجية تفعيل مبادرة الميثاق نحو ترسيخ الإرث والأصالة العمرانية التي تستند على الموروث الثقافي والبيئي في مختلف مناطق المملكة، وتُحاكي التطورات المستقبلية للمشهد الحضري، إضافةً إلى الدور المهم في تشجيع المشاريع التي تبنَّت الميثاقَ.
وتهدف الجائزة التي أطلقتها هيئة فنون العمارة والتصميم نسختها الأولى في ديسمبر 2023 إلى تكريم المشاريع العمرانية الملتزمة بمعايير الميثاق البيئي والعمراني، وذلك تعزيزاً لجودة الحياة ودعماً للابتكار والاستدامة في المملكة، انطلاقاً من تبني الميثاق، وإسهاماً في تحفيز الممارسين والمختصين؛ لإنتاج مخرجات ذات جودة عالية.
وتأتي الجائزة لتسهم في تحقيق أهداف الميثاق عبر تعزيز المشاريع العمرانية ذات الامتياز، حيث تشمل ثلاثة مسارات وهي: مسار (المشاريع المبنيّة) لملاك المشاريع وشركات التصميم، ومسار (المشاريع غير المبنيّة) لشركات التصميم، ومسار (مشاريع الطلاب) لطلاب الجامعات، مع اعتبار الشروط التفصيلية المتعلقة بكل مسار، وخضوع المشاركات للتقييم وفق معايير واضحة.
ويترجم ميثاق الملك سلمان العمراني المعلن في نوفمبر2021 م، مسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- في وضع نهج عمراني وطني معاصر، يعزز الهوية الوطنية العمرانية.
وصَحِبَ إطلاق مبادرة الميثاق تنظيم معارض ولقاءات تعريفية بالميثاق والعديد من الأنشطة، ولقاءات عامة عن فنون العمارة والتصميم في مختلف مدن ومناطق المملكة، إضافةً إلى المشاركة في عدة أحداث ومناسبات دولية.
وتسعى الجائزة إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية أولها تعزيز الاعتراف بالمشاريع المحلية المتميزة التي تتبنى» الأصالة، الاستمرارية، محورية الإنسان، ملاءمة العيش، الابتكار، الاستدامة «، وثانيها تحفيز الشركات والممارسين والطلاب على تضمين قيم الميثاق ضمن أعمالهم ومخرجاتهم.
وتسمو رؤية الجائزة وفق إستراتيجية إلى زيادة الوعي بتأثيرات الميثاق في قطاع العمارة والتصميم الحضري، وتحسين جودة الحياة من خلال تشجيع الابتكار والاستدامة، إلى جانب دعم المواهب والإسهامات الفردية في القطاع العمراني، مستهدفة في ذلك المعماريين والمصممين الأفراد، والجهات المالكة للمشاريع العمرانية، والشركات والمكاتب المعمارية، والطلاب الجامعيين.
وامتدت رحلة الجائزة على مدى ستة أشهر، ومرت بأربع مراحل، ابتداءً من مرحلة المشاركة والتسجيل في الجائزة في مختلف مساراتها، وتلتها مرحلة الفرز والتقييم للمشاركات بحسب المعايير والشروط المعلَنة، وبعدها مرحلة الترشيح والتحكيم للمشاركات المؤهَّلة التي اجتازت التقييم واستوفت الشروط والمعايير المطلوبة من خلال لجنة تحكيم مكونة من خبراء ومختصين محليين ودوليين في مجال العمارة والتصميم، وذلك لتحديد المشاريع الفائزة، وانتهاءً بالحفل الختامي لإعلان المشاريع الفائزة والاحتفاء بها وتتويجها بجائزة الميثاق.
وجاء إعلان هيئة فنون العمارة والتصميم عن القائمة القصيرة للمشاريع المعمارية المرشحة بجائزة ميثاق الملك سلمان العمراني حيث تضمنت مجموعة من المشاريع الرائدة التي تم اختيارها بناءً على معايير مستمدة من قيم الميثاق.
واندرجت المشاريع تحت مسارات الجائزة الرئيسية، منها مسار «المشاريع المبنية» حيث يستهدف البيئة العمرانية المتميزة التي تم تصميمها وتنفيذها والبدء بتشغيلها، بينما يُركز المسار الثاني على «المشاريع غير المبنية» والذي يتضمن تصاميم للبيئة العمرانية المتميزة لمشاريع لم يكتمل بناؤها على أرض الواقع، أما المسار الثالث فيقتصر على «مشاريع طلبة الجامعات» المبدعين في مجالات القطاع، حيث يخص هذه الفئة بمشاريع تخرجهم المُحققة للتميز العمراني.
وأوضحت الهيئة أن مسار المشاريع المبنية يضم أحد عشر مشروعًا مرشحًا للجائزة، يشمل: مقر الإدارة العامة لبنك التنمية الاجتماعي في الرياض، ومشروع منتجع نجدارة، وبرج المقرنص، بالإضافة إلى مركز المؤتمرات في الرياض، ومسجد الغراء بالمدينة المنورة، ومبنى سابك في الجبيل.
كما تتضمن القائمة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في مدينة الظهران، وبانيان تري العلا التابع لشركة تطوير العلا، ومبنى دار الرحمانية التابع لمركز عبدالرحمن السديري الثقافي في محافظة الغاط، والجامع الكبير في مركز الملك عبدالله المالي، ويختتم قائمة هذا المسار برج الابتكار بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
وتضمن مسار المشاريع غير المبنية أربعة مشاريع مميزة، هي: مشروع مطار أبها الدولي، يليه مشروع مسجد رتال في الدمام، بالإضافة إلى مشروع المسار الرياضي، ومشروع محراب في المدينة المنورة.
أما مسار مشاريع طلبة الجامعات، فقد شملت القائمة القصيرة لهذا المسار ثمانية مشاريع مرشحة، هي: مشروع «عبق» المرخ من تصميم الطالبة هدى القحطاني بجامعة الأمير سلطان، ومشروع «ذا هب» من تصميم الطالب عبدالرحمن الشهري بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، بالإضافة إلى مشروع «كو رايز» من تصميم الطالبة خلود الحارثي بجامعة الأمير سلطان، ومشروع «سي لوب» الذي صممه الطالب فيصل ربيع من جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل.
كما شملت القائمة أيضًا مشروع «متحف العلا التاريخي» من تصميم الطالبة خديجة الكاف بجامعة دار الحكمة، ومشروع «متحف وج التاريخي» الذي صممه الطالب أحمد الطلحي بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، ومشروع «أكاديمية الملك سلمان العالمية للغة العربية» من تصميم الطالب عبدالعزيز آل طالب بجامعة الملك سعود، وأخيرًا مشروع تصميم الحي المعاصر الذي صممته الطالبة سديم الجبرين من جامعة شيفلد ببريطانيا.
موذج رائد
يعد ميثاق الملك سلمان العمراني نموذجًا رائدًا لفلسفة التصميم المعماري في المملكة العربية السعودية، مستلهمًا من تجربة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- الذي قاد خطط تطوير العاصمة الرياض وجعلها نموذجًا عمرانيًا عالميًا، ويُبرز الميثاق كذلك تاريخ المملكة وثقافتها، وهو دليل إرشادي للمختصين بالعمارة والعمران، ويمثل أساسًا إستراتيجيًا للعمران المستقبلي.
وطوال خمسة عقود من إمارته -رعاه الله- لمنطقة الرياض، أسس الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود فلسفةً ورؤى رائعة في التصميم المعماري، وقاد خطط تطوير العاصمة من بلدة صغيرة إلى مدينة عالمية، وأصبحت أنموذجا يعكس طابعها المتميز وجودة التصميم المعماري التي مزجت بين الأصالة والحداثة.
وخلال مسيرة الرياض في التطوير العمراني، خضعت لنماذج من الحداثة، حالها في ذلك حال عديد من مدن العالم العربي، لكنها تمكَّنت مع ذلك من التوافق مع ماضيها العريق، فترجمتْ ذلك في أعمال حظيتْ بتقديرٍ عميق.
واحتفاءً بالقائد الذي أشرف على هذا المَسار الفريد في التخطيط والبناء، واستشرف آفاقه على مدى نصف قرن، ورعاه تأصيلاً وعنايةً وإبداعاً، أطلق سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عيّاف عام 2017م على هذه الفلسفة العمرانية والنهج التصميمي الحديث مُصطلح « الطراز السلماني» وكان أول من طرح مسماه، حيث لازم سموه رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – رعاه الله - الثاقبة على مدى 15 عاماً، إبان عمله أميناً لمنطقة الرياض، موضحاً بهذا المصطلح دروساً مهمة مُنتقاةً من هذه الحركة المعمارية وفلسفتها في التصميم.
وعلى الصعيد التاريخي فقد تَشكَّل للعمارة السلمانية تاريخها الخاص، لكونها خضعت لمراحل متعدِّدة من التطوُّر على مدار عقودٍ عديدة، وبرزت في مشروعات عدة مثل، وزارة الخارجية، وتطوير قصر الحكم، وحي السفارات، ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي، حيث حظيت هذه المشاريع بتقدير عالمي وحصدت جوائز عديدة، مما يعكس نجاح فلسفة العمارة السلمانية في تعزيز الهوية المحلية.وتم إصدار وثيقة الميثاق على هيئة كتاب بعنوان «ميثاق الملك سلمان العمراني»، حيث جاء الكتاب عنواناً للهوية العمرانية السعودية ومتضمناً خلاصة إبداع قائم على قواعد متينة من الابتكار والاكتشاف، ومتسقاً مع البيئات والصروح العمرانية النموذجية التي أنشئت تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-، حيث تولدت فكرة صياغة الميثاق بشكل يتضمن كل ما يهم المتخصصين في تصميم البيئة العمرانية في أنحاء المملكة، بدءاً من التفكير في البناء، مروراً بكافة المراحل وحتى تسليم المبنى.
وتمثل العمارة السلمانية نهجًا فريدًا يجمع بين الماضي العريق والتطلعات المستقبلية، مع مراعاة البيئة المحلية والتقاليد الثقافية، حيث يتكون الميثاق من سبعة فصول تشمل المقدمة التي تحدد الرؤية والأهداف ومجالات التطبيق، ثم الإلهام وأصالة المكان التي تتناول السياق التاريخي والثقافي.
وينتقل الميثاق إلى توضيح القيم الأساسية، وهي الأصالة، الاستمرارية، محورية الإنسان، ملاءمة العيش، الابتكار، والاستدامة، مع تقديم إرشادات تصميمية ومعايير لكل قيمة.
ويتطرق الفصل الخامس إلى تطبيقات الميثاق ويستعرض مشروعات نموذجية، بينما يركز الفصل السادس على مراحل التطبيق وأهم الاعتبارات التصميمية.وتبرز القيم الأساسية للميثاق من حيث « الأصالة» نحو تعزيز هوية المكان وإعادة الصلة بين الناس وبيئتهم المحلية، من خلال إنشاء فضاءات حضرية ومعمارية تعبر بصدق عن المكان.
أما «الاستمرارية» فتركز على استلهام الماضي وتطوير المستقبل عبر هوية ثقافية قوية، مما يخلق توازنًا بين التصميمات القديمة والحديثة، في حين أن « محورية الإنسان» يعنى بتصميم مساحات تركز على احتياجات الأفراد والجماعات، مما يعزز التجارب العمرانية والشمولية، إلى جانب «ملاءمة العيش» الهادف إلى تحسين جودة الحياة من خلال بيئة حضرية آمنة وجذابة، تلبي احتياجات السكان وتعزز الترابط الاجتماعي.
وتبرز في الميثاق قيمة «الابتكار» لاستكشاف مقاربات جديدة في التصميم، وتبني التقنيات الحديثة لتحسين جودة الحياة وتشجيع الإبداع، وصولاُ إلى «الاستدامة « لحماية البيئة وتعزيز الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لضمان استمرار المشاريع العمرانية على المدى الطويل.
ويُطبق الميثاق في مختلف الحقول المتعلقة بالبيئة العمرانية، بما في ذلك العمارة، التخطيط والتصميم الحضري، التصميم الداخلي، وعمارة البيئة، بهدف تحقيق التوازن بين التطور الحديث والأصالة، وتشجيع التصاميم التي تعزز الهوية المحلية وتراعي البيئة والمناخ. فيما يتضمن الميثاق إرشادات تفصيلية لتصميم المباني والمساحات العامة، بحيث تتوافق مع السياق المحلي وتستجيب لاحتياجات المجتمع.
ووفق منهجية وطنية لتحقيق التميز العمراني وتحسين جودة الحياة من خلال بيئات عمرانية تستند إلى الموروث الثقافي والبيئي، وتحاكي التطورات المستقبلية يسعى الميثاق إلى نشر الوعي بمفاهيم الجودة العمرانية، وتوجيه المعنيين بالتصميم والتخطيط نحو تحقيق قيمه الأساسية.
وتحت إشراف الملك سلمان بن عبد العزيز، أصبحت الرياض أيقونة عمرانية مزجت بين الأصالة والحداثة، ومن شواهد تلك المشاريع النموذجية التي تجسد فلسفة العمارة السلمانية: قصر الحكم، حي السفارات، ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي، حيث حظيت هذه المشاريع بتقدير عالمي وحصدت جوائز عديدة، مما يعكس نجاح فلسفة العمارة السلمانية في تعزيز الهوية المحلية.
ويمثل ميثاق الملك سلمان العمراني مرجعاً تصميميا متكاملا ينعكس في المشاريع النموذجية التي تم تنفيذها في الرياض، وأنموذجا يُحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي، كما يسهم الميثاق في تعزيز الهوية العمرانية السعودية، ومستهدف تطبيق مبادئه في مختلف مناطق المملكة ، ليكون مصدر إلهام للأعمال الإبداعية في العمارة والعمران. من خلال قيمه الأساسية، وتحقيق بيئات عمرانية متوازنة ومستدامة، تلبّي احتياجات الإنسان وتواكب تطلعاته المستقبلية.