د. محمد بن مرضي الهزيّل
(الوعي الفكري) مصطلح مركب يدل على إدراك الإنسان لما يدور في محيطه ومجتمعه من عقائد وقيم وعادات ونظم وأخلاق ونحو ذلك، مع قدرته على التمييز بين ما هو مناسب وغير مناسب.
فالوعي الفكري قائم على ركيزتين عظيمتين:
إحداهما: تمام الإدراك واتساعه.
والأخرى: إعمال القوة المفكرة بقصد تمييز الحق من الباطل، والصواب من الخطأ.
وتجدر الإشارة إلى أن ثمة فرقًا بين (الوعي الفكري) و(الأمن الفكري)، وأهم فرق بينهما أن الوعي الفكري وسيلة وطريق، والأمن الفكري نتيجة وغاية وهدف، فمن آثار الوعي الفكري ونتائجه: تحقيق الأمن الفكري وترسيخه.
إن الوعي الفكري يحصل بسلوك طرق مختلفة متنوعة، من أهمها:
أولاً: العلم بمصادر الوعي الفكري، سواء أكانت شرعية أم قانونية، فالشرعية تتمثل في الكتاب والسنة، وفهمهما وفق فهم سلف هذه الأمة، ونبذ الفهوم الحادثة التي طرأت بعدهم، وإن الإخلال بهذا الأصل ينشأ عنه فساد عريض وشر مستطير؛ إذ إن المستدلين بالكتاب والسنة كثر، ولكن قد يستدل أحد ما بهما على مسائل جاءت نصوص أخرى بإبطالها؛ لأن المستدل لم يجمع النصوص الواردة في الباب الواحد، ولم يتبع سبيل سلف الأمة في فهمها. وأما المصادر القانونية؛ فتتمثل في النظم التي تحكم حياة الناس العامة مما تسير عليها الدولة فيما لم يرد فيه دليل من الوحيين.
ثانيًا: القراءة والمطالعة من أهم ما يحصل به الوعي الفكري؛ إذ إن إحدى الركيزتين للوعي الفكري هو تمام الإدراك واتساعه، وذلك لا يكون إلا بالمطالعة والقراءة.
والقراءة سلاح ذو حدين؛ إذ قد يقرأ الإنسان ما فيه حتفه وهلاكه، وقد يقرأ ما فيه نجاحه وصلاحه، فينبغي للمسلم السوي والمواطن الصالح أن ينتقي ما يقرأ كما يختار أطايب الطعام.
ثالثًا: البعد عن تتبع الشبهات من أهم ما يحصل الوعي الفكري، وذلك لأن القلوب ضعيفة والشبه خطافة، فقد يلبس على الإنسان فيما يخل عنده بوعيه الفكري، فيختل معه الأمن الفكري في الأفراد، ومن ثم يقع اختلال الأمن في المجتمعات والأوطان، ومن محاسن صنيع الإمام البخاري في صحيحه عقده ترجمةً قال فيها: (باب: من الدين الفرار من الفتن)، فلا ينبغي للمسلم أن يشتغل بالشبهات لا جمعًا ولا قلعًا، ويكل أمر ردها إلى أهل العلم الراسخين وولاة الأمر النابهين.
رابعًا: مجانبة الخوض فيما ليس من اختصاص الفرد العادي، وذلك لأن صرف همة النفس للبحث فيما لا يعني المرء مدعاة لإضعافه عما يهمه ويعنيه، فما كان من مسائل الشرع المتعلقة بالكافة؛ يكل المرء أمرها إلى أهل العلم المشهود لهم بسلامة المعتقد وصحة المنهج وصواب الفتوى، وما كان من مسائل السياسة يكل أمرها إلى ولاة الأمر؛ فإنهم أدرى بمصالح المواطنين، وأخبر وأنصح وأقوم.
فإذا اعتنى المرء بهذه الأصول الأربعة؛ استقام وعيه الفكري ونما، وترتبت عليه آثارها الحميدة في نفسه، وفي مجتمعه ووطنه.