عايض بن خالد المطيري
فـي الآونة الأخيرة، شهـد المجتمع تسابقًا لافتًا في استخدام خدمات التحليل الجيني التي تقدمها شركات تدعي تخصصها في هذا المجال، حيث بات بإمكان الأفراد التعرف على أصولهم وأسلافهم ببساطة من خلال لعابهم. هذه التقنية التي تعتمد على «التنميط الجيني» (genotyping) لتحليل الحمض النووي الخاص بالمستخدم، أتاحت للناس معرفة تاريخهم العرقي والجغرافي دون الحاجة إلى زيارة معامل تحاليل أو أخذ عينات دم، مما جعلها جذابة وسهلة للكثيرين.
تستخدم هذه الشركات تقنيات لتحليل الحمض النووي، ومن ثم تقوم خوارزمياتها بمعالجة النتائج لتحديد الأصول العرقية والمناطق الجغرافية التي يرجع إليها الأصل. العديد من الأفراد يجدون أن هذه التحاليل مثيرة ومفيدة لفهم أصولهم، إذ تقدم نتائج التحليل معلومات مفصلة عن الأسلاف والانتماءات الجغرافية.
رغم بعض الفوائد المحتملة لهذه التقنية، لم تخلُ من الجدل والمشاكل، ومن أبرزها الفضائح المتعلقة بتحليل الحمض النووي للأنساب والنتائج المتضاربة التي قد يحصل عليها الشخص من شركات مختلفة. أحيانًا يحصل الفرد على نتيجتين مختلفتين تمامًا من نفس العينة، مما يثير الشكوك حول دقة هذه التحاليل. هذا التباين الكبير في النتائج قد يؤدي إلى انعدام الثقة وخلق نزاعات بين الأفراد.
لا شك أن انتشار هذه التحاليل بشكل غير منظم قد يسبب الفتن والمشاكل بين أفراد المجتمع. بعض المختصين في مجال المختبرات الجنائية، يشيرون إلى إمكانية حدوث أخطاء في عملية إثبات الأنساب والانتماء للقبائل عبر تحليل الحمض النووي من خلال عينة اللعاب.
وهذا يعني أن الأفراد قد يعتمدون على نتائج غير دقيقة لاتخاذ قرارات قد تكون مهمة تتعلق بهويتهم وانتماءاتهم، مما قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية وعائلية.
لقد وصل الحال إلى أن مكاتب الخدمات العامة تعرض خدماتها للمجتمع في هذا الجانب بكل أريحية عبر إعلانات في وسائل التواصل، وتقوم بهذه المهمة وتمنح صاحب الطلب تقارير نتائج تحاليل وتصنيف الانتماءات.
لذلك فإن مثل هذه الممارسات تحتاج إلى تنظيم رسمي ومنع انتشارها بشكل عشوائي. ويجب على الجهات المختصة أن تتدخل لوضع معايير وضوابط صارمة لممارسة هذه الأعمال الطبية والحد من انتشار الفتنة بين الناس. لأن استمرار العامة في ممارستها يفتح نافذة إثارة الشكوك والخلافات، مما يعرض المجتمع للانقسامات والنزاعات.
وفي هذا الجانب يلفت المختصون النظر إلى أن نتائج التحليل تكون تقريبية؛ لأن العينات المقارن بها لإثبات النسب تؤخذ من مجموعة من أفراد القبيلة يصل عددهم إلى 100 فرد، وهذه المجموعة لا تمثل مجتمع القبيلة كاملًا. وأضافوا أن دقة وموثوقية النتائج تزيد كلما زادت العينات المقارن بها، إضافةً لنوعية وجودة التقنية المستخدمة في الفحص، لافتين إلى أنه ليس بالإمكان معرفة اسم القبيلة منخلال نتيجة التحليل، وإنما يتم تحديد نوع السلالة البشرية.
في الختام رغم الفوائد المحتملة لتحليل الحمض النووي في معرفة الأصول والأسلاف، إلا أن المخاطر الاجتماعية والنزاعات المحتملة تجعل من الضروري التفكير بعناية قبل الاعتماد على هذه التحاليل بشكل كامل. التنظيم الرسمي والإشراف الدقيق هما الحل الأمثل لضمان أن تكون هذه التكنولوجيا مفيدة وآمنة للمجتمع.