د. محمد عبدالله الخازم
التنمية المستدامة لها علاقة بالتوجهات الاقتصادية التي مطلوب منها تطوير أنشطة اقتصادية طويلة المدى، وفي ذات الوقت المحافظة على المكونات البيئية والاجتماعية والثقافية للمكان والمجتمع. وقد أقرت الأمم المتحدة سبعة عشر هدفاً أو معياراً يرجى تحققها بعام 2030م من قبل مختلف الدول. على أن التفاصيل في المبادرات تترك على عاتق الدول، وفق ظروفها وطبيعتها الاقتصادية والبيئية والثقافية والاجتماعية.
المملكة تعتبر إحدى الدول المهتمة بهذا الجانب، ونلحظ أكثر من قطاع يعمل عليه، ومنها القطاع الأهلي، الذي نرى إحدى مبادراته تتمثَّل في تبني الغرفة التجارية الصناعية بالرياض موضوع «التنمية المستدامة» كعنوان لمنتداها الاقتصادي في دورته القادمة (نوفمبر 2024م)، وهو اختيار موفق من ناحية الموضوع. نرجو أن تجيب دراسات ونقاش المنتدى على أسئلة مثل: كيف أثّر التسارع الاقتصادي والتنموي للمدينة ومركزية الإدارة في موضوع الاستدامة وعناصرها المتعلّقة بالبيئة والمجتمع والثقافة؟ ما هي المبادرات التي يمكننا تبنيها على الأمد القصير والأمد البعيد، لإعادة الاعتبار لمكونات التنمية المستدامة وتطويرها كما يجب؟
الأمم المتحدة وضعت 17 هدفاً كما أشرت أعلاه، لكنني سأكتفي هنا ببعض الأفكار العامة في موضوع الاستدامة، بالذات فيما له علاقة بالبيئة. عندما نتناول البيئة كأحد مكونات الاقتصاد المستدام، فإن ابرز مثال لقصورنا في هذا الشأن نلحظه في إدارة النفايات في الرياض. نحن بحاجة إلى تطوير حلول تنظيمية واقتصادية تستفيد من إعادة التدوير وفصل أنواع النفايات عن بعضها البعض. ما زلنا نستخدم البلاستيك بشكل جائر رغم معرفتنا بأضراره البيئية. النفايات اليومية تقسم إلى مواد بلاستيكية، بقايا طعام، بقايا نباتية، ومكونات ورقية (كرتون وسواه)، لكننا نضع النفايات أمام أبوابنا في الشوارع بشكل يومي، دون نظام حاويات وفرز واضح بين كل تلك المكونات. لا يوجد نظام يستفيد من بقايا النبات والأطعمة النباتية في تكوين أسمدة يستفاد منها عوضاً عن الأسمدة الكيماوية.
في موضوع المياه، نحن مدن شحيحة المياه لولا مصادر تحلية البحر. نحتاج إلى جهد أكبر للاستفادة من التقنيات التي تمكننا من إعادة الاستفادة من مياه الصرف الصحي في كافة الأحياء والمؤسسات والشوارع والمرافق. ونحتاج لتقنيات ري حديثة ترشد استخدام المياه في الزراعة بما في ذلك زراعة الشوارع والحدائق العامة والخاصة بكل مؤسسة كالجامعات والمستشفيات وغيرها.
اقتصاديات الريف يتم تهميشها لصالح الكيانات الاقتصادية الكبرى ولصالح الاستيراد من الخارج. صحيح نحن نتحدث عن عاصمة وليس الريف، لكن العاصمة ضمن مكوناتها وكما هي محاطة بالمناطق الصغيرة الريفية والزراعية، بحاجة إلى دعم اقتصاديات الريف والاقتصاديات الصغرى لتكون مساندة لها في أنشطتها ومتنفساً لها وداعماً اجتماعياً لشريحة كبرى من أهالي العاصمة والمحافظات المحيطة بها. يشمل ذلك الزراعة الفردية أو العائلية، الصناعات الغذائية البسيطة، النقل المحلي، أنشطة السياحة المحلية، وغيرها من النشاطات الداعمة للأفراد/ ألأسر/ الكيانات الصغيرة وتنمية مواردهم الذاتية بدلاً من إيكالها لكيانات اقتصادية ضخمة.
تلك مجرد أمثلة، ويمكن سرد العديد من المبادرات والملاحظات. تقديرنا للغرفة التجارية وبانتظار دعوة منتداها الاقتصادي، نطرح السؤال بشكل أوسع: ما هو دور الغرف التجارية وأمانات المناطق والكيانات الكبرى في دعم وتنمية أنشطة التنمية المستدامة.
أخيراً، قد يكون مناسباً التوصية بتشكيل لجنة وطنية معنية برصد أهداف ومؤشرات التنمية المستدامة والمبادرات التي تقوم بها مختلف الجهات في هذا الشأن. أو لعله يكون برنامج/ مبادرة وطنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030م، وفق تصنيفات وأهداف الأمم المتحدة المشار إليها بداية المقال.