د.عبدالله بن موسى الطاير
بعد قرون من الطلاق البائن بين السياسة والدين في أوروبا، تعود حليمة لعادتها القديمة تدريجياً من خلال الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تكتسح المجتمعات الغربية. ما حدث في انتخابات الاتحاد الأوروبي، وما فجرته الجولة الأولى من الانتخابات العامة في فرنسا، وخطاب الحملات الانتخابية في بريطانيا، التي هزم فيها اليمين فخرج للشارع بوجهه الحقيقي في تفجير المجتمع باضطرابات وحرق وتخريب، وسباق الرئاسة الأمريكي، الذي قسّم المجتمع إلى فسطاطين أحدهما للإيمان والآخر لليسار، يغذي مشاعر الكراهية الدينية والإيديولوجية ويثير مشاعر العداء بين أفراد المجتمع.
دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بعمومه تبذل جهودا، بعضها لا يزال في بداية الطريق، لتحييد خطاب الكراهية القائم على الدين الذي يصنف العالم البعيد والقريب إلى دار إيمان وكفر، تُواجه مساعيها بتحد سافر من دولة عنصرية يقوم نظامها السياسي الحالي على الكراهية الدينية، فتقتل وتبيد بني البشر المختلفين دينياً وعرقياً ليس على أساس أنهم أناس يختلفون معها في المصالح ويتصارعون على الأرض والسيادة ويناضلون للاستقلال من الاستعمار الوحيد المتبقي في هذا العالم، ولكنها تبيدهم بصفتهم حيوانات متوحشة لا تستحق الحياة، وقتلهم بالأسلحة والحصار والتجويع والتعذيب والاغتصاب قربة إلى الله، يثاب فاعلها.
لقد ألقت الكراهية الدينية على مر التاريخ بظلالها الطويلة المشؤومة على الإنسانية، فغذت الصراعات والاضطرابات وتركت ندوباً لا تزال قائمة لأجيال. فمن الحروب الصليبية إلى الصراعات الجارية في الشرق الأوسط، أدى تفخيخ الإيمان إلى معاناة لا حصر لها وتآكل الانسجام المجتمعي.
تاريخياً؛ أودت الحروب والصراعات التي تسلحها الاختلافات الدينية بحياة عدد لا يحصى من البشر، وشردت الملايين، وزعزعت استقرار مناطق بأكملها. والاضطرابات والعنف التي غالباً ما تصاحب التعصب الديني تولد الخوف وانعدام الثقة والانقسام داخل المجتمعات. ذلك هو ما يحصل الآن من قبل اليمين المتطرف في أوروبا، واليمين الحاكم في إسرائيل. تلاعب بالمعتقدات الدينية لتبرير العنف، وخلق بيئة لا يُحكم على الأفراد فيها على أساس جدارتهم، بل على أساس التزامهم بإيمان معين، مما يعزز التحيز والاستبعاد.
تمتد العواقب إلى ما هو أبعد من الضحايا المباشرين، مما يؤدي إلى إدامة دورات الكراهية التي قد تستمر لأجيال.
إن صعود التطرف والإرهاب المرتبط بالإيديولوجيات الدينية يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن العالمي، ومن المشين أن تقف الدول عاجزة عن لجم أكبر كيان يوظف الكراهية الدينية لإبادة الأبرياء من النساء والأطفال والعجزة دون أن يتحرك من بيدهم قرار وقف هذه المهزلة والمعناة الإنسانية.
إن استغلال الإيمان المسلح لتعزيز العنف والكراهية يقوض جوهر الدين، الذي يعزز في أساسه السلام والرحمة والتفاهم، كما أن الكراهية الدينية ليست موجهة لدين وعرق معين، وإنما هي وباء فتاك ضد المخالف من أي دين أو عرق آخر.
في الوقت الذي نشطت فيه دول كثيرة ومنظمات دولية في تعزيز الحوار والتعاون بين الأديان لبناء جسور التفاهم ومكافحة رواية الانقسام، وتحمل الزعماء الدينيون والمجتمعات مسؤولية تعزيز التعايش السلمي وتحدي أولئك الذين يسعون إلى استغلال الإيمان لأجنداتهم الخاصة، تعود بنا إسرائيل إلى المربع الأول وتنكس البشرية رأساً على عقب وهي تهيئ الظروف لحرب دينية لا تبقي ولا تذر من أجل تحقيق وعود ونبوءات توراتية.
الطريق إلى عالم أكثر تسامحًا وشمولاً مزروع الآن بألغام اليهودية والمسيحية الصهيونية التي تكرس كل قوتها وقواها من أجل المعركة الكبرى، وتغذ السير في رحلة لا يريدها أحد سواهم، ولا يجب أن تخوضها البشرية. إلا أن عجز العالم عن إيقاف حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد غزة هو طريق النظام العالمي السريع إلى الهاوية.