د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
شهد يوم 5/8/ 2024 واحدة من أعنف الأزمات المالية منذ عقود أعاد إلى الأذهان الاثنين الأسود الذي تراجعت فيه الأسواق بما وصل إلى 40 في المائة منذ 37 عاما، إذ هبط مؤشر توبكس بأكثر من 12 في المائة في أكبر موجة بيع منذ عام 1987، إذ قادت أبل وإنفيديا موجة بيع في أسهم التكنولوجيا، وهبطت أسهم عالية الأداء لشركات الفابت وأمازون وميتا بلاتفورمز ومايكروسوفت وتسلا بنحو 12.2 في المائة، ومن المقرر أن تؤدي الخسائر في أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة محو ما يقرب من تريليون دولار من القيمة السوقية المجمعة للشركات، ونحو ثلاثة تريليونات دولار من القيمة في أكثر من ثلاثة أسابيع بقليل، إلى جانب تراجع أسهم الرقائق الفائزة الكبرى في تجارة وول ستريت للذكاء الاصطناعي.
لا يعد هذا الانهيار مجرد تقلبات مؤقتة، بل هو انعكاس لقلق ينتاب المستثمرين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي بعدما شهدت الأسواق تراجعات كبيرة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة مع تسجيل مخاوف لم تسجل في الأيام الأولى لجائحة كورونا.
امتد هذا التراجع الحاد إلى العملات المشفرة والعملات الورقية والنفط، إذ شهدت أسعارها حالة من التذبذب نتيجة توجيه الاستثمارات نحو الملاذات الآمنة، بعد أيام من دفع التفاؤل غداة دفع التفاؤل الذي غذاه ترمب عملة البتكوين أكبر عملة مشفرة في العالم، ارتفعت قيمتها السوقية ما فوق مستوى 70 ألف دولار لأول مرة منذ أكثر من شهر، لكن فقدت أكثر من ثلث قيمتها منذ أن سجلت أعلى مستوى لها في مارس 2024، كما أن الزيادة في الارتباط بالأسهم قوضت سمعتها كأصل آمن، أيضا هبطت عوائد سندات الخزينة الأمريكية إلى أدنى مستوياتها منذ عدة أشهر، إذ بلغ العائد على السندات لأجل 10 أعوام نحو 3.7379 في المائة في حين انخفض العائد على السندات لأجل عامين إلى 3.7561 في المائة، وهو ما يظهر اهتمام المستثمرين بالتوجه إلى أصول توفر المزيد من الأمان مقارنة بالأسهم التي تعد أصولا محفوفة بالمخاطر.
وفي الوقت نفسه يراهن المستثمرون على تخفيض الفائدة من قبل الفيدرالي لتحفيز النمو، وبحسب بلومبرغ تسعر الأسواق بنسبة 60 في المائة خفض الفيدرالي للفائدة بـ25 نقطة أساس في أقرب فرصة، وفي حال خفض الفيدرالي الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس بدلا من 25 نقطة توقعها السوق، فستكون هذه طريقته للإقرار بأنه استغرق وقتا طويلا قبل تليين سياسته النقدية، ويرى محللو دويتشه بنك أن حجم توقعات السوق بشأن عدد مرات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي على مدى الاثني عشر شهرا المقبلة لا يرى عادة إلا خلال فترات الركود.
ترى الصحافة المالية التطور بأنه تصحيح بعد النمو القياسي لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى على خلفية التقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وضربت التأثيرات المتتالية الأسواق الأجنبية حيث انخفض مؤشر نيكي 225 الياباني بنسبة 5.8 بعد أيام من رفع بنك اليابان لسعر الفائدة القياسي، واستمر الانخفاض مع افتتاح الأسواق الآسيوية والأوروبية يوم الاثنين 5/8/2024، إلى جانب ارتفاع معدل البطالة في يوليو 2024 إلى 4.3 في المائة مقابل 4.1 في المائة كانت متوقعة وهو أعلى معدل بطالة منذ أكتوبر 2021، كما أن التشدد النقدي بعد أعوام من أسعار الفائدة السلبية، إلى جانب تباطؤ النشاط الاقتصادي الأمريكي إلى تسريع ارتفاع الين بشكل ملحوظ، مدعوما بتدخلات البنك المركزي الياباني في سوق الصرف الأجنبية.
تصدرت أسواق الإمارات التراجعات في المنطقة العربية بخسائر بمعدل 4.5 في المائة على وقع انهيارات الأسواق عالميا، وسط مخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود، وتصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، فيما انخفض مؤشر سوق الأسهم السعودي تاسي بمعدل 2.1 في المائة، وهذا يثبت صحة الرؤية السعودية التي تقود أسواق النفط تمسك أوبك + بخطتها للتخلص التدريجي من تخفيضات الإنتاج الطوعية لم تنخفض العقود الآجلة سوى ما يعادل 1.2 في المائة للبرميل الواحد.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية سابقا بجامعة أم القرى بمكة