الرياض - واس:
ارتبطت الجزيرة العربية بعلاقة أزلية مع العطور؛ فأرضها كانت منبعاً فريداً لأنواع مميزة، ومحطة رئيسية لاستقبال المواد العطرية وعبر طرقها التجارية المتعددة نقلت القوافل شذى عبيرها إلى مجتمعات العالم القديم، لتشكل في مجملها منطلقاً لتاريخ العطور، ومهداً لثقافة أغدقت على البشر نفائس الطُيوب حتى شاع استخدامها في الحياة اليومية، وحملت في طرق استخدامها وأنواعها دلالة على الكرم والاحترام وعلى امتداد الحضارات المتعاقبة وتعدد مواطن ومصادر العطور، فتميزت الجزيرة العربية بهوية خاصة في مصادر وأنواع صناعة العطور، وأضحت جزءاً من تراثها وارتبطت بتقاليد تتناقلها الأجيال.
ويوثق معرض «معرض عطور الشرق» الذي يستضيفه المتحف الوطني السعودي حالياً بالرياض في محطته الأولى دولياً بشراكة مع معهد العالم العربي في باريس، العلاقة الوطيدة بين العالم العربي والعطور، إلى جانب تسلط الضوء على روائح الشرق المميّزة وعلى التقاليد العربية التي منحت العطر دوره الاجتماعي.
وبين جنباته يحكي المعرض كيف تميّزت العطور العربيَّة برائحتها القوية الدافئة، المكونة من مزيج فريد من المكونات مثل المرّ واللّبان والعنبر والعود والمسك والورد، ودورها في حضارات شبه الجزيرة العربية، وارتباط استخدامها بالمناسبات الاجتماعية والدينية، وما كانت تُمثّله من علامةٍ على الثراء والفخامة.
ويفصل السرد التاريخي رمزية العنبر في ثقافة العطور العربيَّة، كاشفاً طرق حصاده على سواحل اليمن وعُمان، وما كان يُشكّله هذا المنتج من قيمة عالية في التبادل التجاري بين الشرق والغرب لعدة قرون.
ويؤصل المعرض معرفياً أن شبه الجزيرة العربيَّة بـ «أرض العطور» فندرة أمطارها ووفرة شمسها، خلقت بيئة مثالية لنمو نباتات المرّ واللّبان، اللذين شكَّلا أساس العطور العربيَّة العريقة. وعلى امتداد مساحة المعرض الذي يستمر حتى الـ 14 سبتمبر المقبل، يتنقل الزائر في رحلة استثنائية صُمّم مسارها بشكل يراعي التوازن عند التقاء حاستَي الشمّ والبصر، لاستكشاف تاريخ العطور وممارساتها حتى عصرنا الحاضر، وملامح من تفاصيلها من خلال مجموعة فنية فريدة تتجاوز 200 قطعة أثرية وعمل فني معاصر، والاستزادة المعرفية بقصة كل عطر. ويجمع المعرض بمنظور أشمل عبر أقسامه الثلاثة بين «الماضي والحاضر وبين الجمال والثقافة»، في تجربة ثرية خصص القسم الأول «الطبيعة السامية والسخية» عن تاريخ العطور منذ لحظة اكتشاف المواد الخام التي تُصنع منها، من زهور وأعشاب وتوابل وراتنجات طبيعية فوّاحة، كذلك أبراز المصادر التي تميّزت بها الجزيرة العربية مثل اللِّبان والعنبر والمُرّ التي تدخل بشكل رئيس في تركيب العطور. أمّا القسم الثاني «روائح المدينة»، يكشف دور العطور في الأماكن العامة وفي المجتمع، حيث يشكّل العطر في الثقافة العربية تجربة جماعية، وواقعاً مهماً حاضراً في دائرة الأصدقاء والعائلة والأحبة، فيما يركز القسم الثالث « ضيافة عطِرَة»، على التقاليد والعادات الاجتماعية المرتبطة بالعطور في العالم العربي والحضارة الإسلامية، مثل التطيّب والتبخير وتعطير الضيوف للترحيب بهم.