محمد لويفي الجهني
كان يامكان في ذاك الزمان عندما كان تجمع الناس حول الواحات وآبار الماء كان بئر الوحيدي بأملج أشهر الآبار بعذوبة مائه وغزارته ومصدر أساسي من أجل ذلك كان يجتمع بالقرب منه الأهالي ودارت على مائه الكثير من الأحداث والحكايات والحجاوي والقصص ولعل أشهرها قصص الحب التي يرويها الراوي والقاص لجلسائه المجتمعين حوله ليلا للسمر وهي الترفيه المتبع في ذلك الوقت قبل وسائل الاتصال الحديثة، كما في وقتنا الحاضر وكان الراوي يحكي قصة حب خيالية كما أعتقد وبأسلوب ممتع من أجل ذلك حفظتها وتأثرت بها وأثرت بي كثيرا وذلك وربما لأن بطلها اسمه محمد ولكن ليس محمد أنا، بل تشابه أسماء وكان الراوي يقول قصة الحب التي حدثت أحداثها على بئر الوحيدي بتصرف ورموز خوفًا من الملامة والتأويل والتعليل وكنت لم أفهمها في وقتها، لأننا كنا أطفالا وعلى الفطرة ولم أتمكن منها إلا بعد أن بلغت من العمر عتيًا، فقال في حكاية وحجية ورواية الحب كما قالها الراوي بتصرف، كانت هناك نخلة شمروخة طويلة وارده ماء الوحيدي وكان محمد سبقها للبئر فأعجب بها وهي كذلك فكان يناديها يا نخلة وينشد لها قائلا
(ياعذيب اللمى يااللي جرح ساقك الماء
واختلط ماء بماء...
وايش يعزل الماء عن الماء)
وكان مفتون بجمالها وكان كل يوم يذهب إلى بئر الوحيدي ليشاهدها. وأنشد فيها قائلا
(بير الوحيدي ليتنا ما وردناه
ورده ظما لو كان في قاعته ماء
فوقه غزيل توُّه القلب وأشقاه
عودت من بير الوحيدي وأنا أظمى).
وأحيانا تأتي معها أمها فينشد قائلا
(غــزيــل يتــبع امــه وده الماء....
يا ليته من عربنا ومصروفه عليه).
وفي يوم من الأيام كذلك شربت من الماء فشاهدته ومن حياها أنزلت حجابها على عجل فطاح زمامها في البئر، فأنشد قائلاً..
(لاله وزمام سيدي طاح في جمة البير
لاله وجنيه أبو سيفين للي يجيبه).
وهو بذلك دفع جنيها سعوديا كان له شأنه في ذلك الوقت لمن ينزل البئر ويأتي بزمام معشوقته.. ثم طلب منها أن تسقيه الماء.. فقال...
(ياوارد الما... اسقني شربيت
واللي سقاني... ما يخاف الله).
وفي يوم من الأيام كعادة البادية في ذلك الوقت ارتحلت وانتقلت إلى مكان آخر فقال:
(شدّت القافلة وشدّ خلي معاهم
وأصبحوا بالفريش ياليت عيني تراهم).
وبهذا انتهت ملحمة الحب لكنها بقيت ذكرى معه فأنشد قائلا:
(سيدي نساني يحسب إني نسيته
والله ما أنسى سيّدي لو نساني).
وفي النهاية ومع هذه الحكاية يستكن الليل ويأتي النوم ويظلم الليل.
فنطلب الماء فيقول لنا ناموا تأتي الغزيل وأنت نائم وتسقيك الماء فنصدق وننام على أمل الغزيل المزعوم.. وبذلك تنتهي الحكاية والأحجبة الخيالية.