أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أعظم النعم، وأكبر العطايا التي يمنحها الله الإنسان في هذه الدنيا أنه يعرف من هو، ومن هم والداه، وإلى أي الأوطان ينتسب وينتمي، يذهب هنا وهناك، يتنقّل في أرض الله الواسعة دراسةً، أو طلباً للرزق الحلال، أو حتى سياحة، وهو يعرف أن له وطناً يحن له ويشتاق إليه وسيعود إلى أحضانه يوماً ما.
هذا هو حال المواطن السعودي الذي كان له إبان أيام إجازة نهاية العام سفر وترحال وها هو مع قرب بداية العام الدراسي أو الجامعي يجمع شتات أمره ويحزم حقائبه ليعود إلى وطنه الذي يبادله شوقاً بشوق، ويشاطره العشق القلبي المتبادل فيحن له كما أنه هو يحن إليه.
لا يعرف غور الجرح، وشدة الألم إلا من فقد وطنه - لا سمح الله- وذاق مرارة الشتات بفقد الهوية الوطنية التي بها يعرف بنفسه ويفخر بها، واسألوا إن شئتم من تقابلون في شارع الحياة ممن ضاعت أوطانهم وهم أحياء ومن ثم صاروا مهجرين بلا وطن، أو قلبوا في أوراق شعراء المهجر وكتَّاب الحكايات الحزينة التي تبرهن على مقدار قيمة الوطن في ميزان الأحياء، بل وحتى الأموات.
أكتب هذه الكلمات الموجعة بعد أن تكرر على مسمعي في رحلتي العائلية الأخيرة هذه العبارة المؤلمة حقاً لمن كأن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ألا وهي (مشكلتي ما لي وطن)، وممن؟ من أناس ينطقون العربية، ويرجعون في الأساس إلى بقاع قريبة منا للأسف الشديد، ولديارهم مجد وتاريخ، ولأجدادهم أعراف وتقاليد، ولكنها السياسية والاقتصاد.
لا أسوق هذا الكلام للاستهلاك أو لإقرار ما هو مستقر في الذهن سلفاً من بيان أهمية الوطن في الوجود البشري ولكن من باب التذكير بعظم ما نحن فيه من نعمة جليلة لا تقدَّر بثمن مهما عظم، وفِي ذات الوقت من أجل التواصي فيما بيننا بما هو واجب على كل منا بأن نكون جميعاً بلا استثناء حماة أرض، وحراس دار، وجنود وطن، نذود عن كل شبر من بلادنا التي لا مثيل لها في الكون كله بكل ما نملك من مال ونفس وولد، فالعاقل من اتعظ بغيره، واللبيب من أخذ الدرس من التاريخ القريب منه والبعيد، ووالله ثم والله إن هؤلاء المشردين يتمنون ما كان من سالف حالهم مهما كان فيها من ظلم أو جبروت أو طغيان على ما هم فيه اليوم من وضع مأساوي لم يكن في الأحلام، فكيف بِنَا ونحن نعيش -والله الحمد والفضل والمنة - تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفِي كنف ولاة أمر يخشون الله ويخافونه، ويسعون جهدهم في إسعاد ورفاهية وأمن وسلامة كل مواطن ومقيم وزائر لهذا البلد المبارك المعطاء أرض الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية حفظها الله من كل سوء ووقانا جميعاً شر من به شر ويسر، لإخواننا العرب وكل مهجّر ومشرّد بلا وطن في شرق الأرض وغربها، شمالها وجنوبها حل مشكلتهم وسهل لهم عودتهم إلى ديارهم سالمين غانمين، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.