د. علي القحيص
احتلت المملكة البريطانية العظمى جمهورية الهند عام (1758 - 1947)، وأثناء وجود الاستعمار البريطاني في الهند، حصل أن ضابطاً بريطانياً صفع مواطناً هندياً على وجهه أمام الناس، فكانت ردة فعل المواطن الهندي أن صفع الضابط بكل قوة ورد له الصاع صاعين، وأسقطه أرضاً في الشارع!
ومن هول الصدمة المذلة انسحب الضابط من المكان وهو يستغرب كيف تجرأ مواطن هندي على صفع ضابط في جيش إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، واتجه إلى مركز قياته، ليحدثهم بما حصل له من إهانة، ويطلب المساعدة لمعاقبة هذا المواطن الهندي البسيط الذي ارتكب جرماً لا يغتفر ضد الضابط الإنجليزي.
لكن القائد الكبير البريطاني هدأ من أعصابه وأخذه إلى مكتبه، وفتح خزينة ممتلئة بالنقود وقال للضابط البريطاني: خذ من الخزينة خمسين ألف روبية، واذهب إلى الهندي واعتذر منه على ما بدر منك تجاهه، وأعطه هذه النقود مقابل صفعك له أمام الناس وإهانته.
جن جنون الضابط الإنجليزي وقال مستنكراً: أنا من له الحق في صفعه وإذلاله وإهانته، لقد صفعني وهو لا يملك الحق، هذه إهانة لي، ولك أيضاً ولجيش صاحبة الجلالة.
قال الضابط الكبير للضابط الصغير: اعتبر هذا أمراً عسكرياً مطاعاً عليك تنفيذه حالاً بدون نقاش، امتثل الضابط لأوامر قائده الإنجليزي، وأخذ المبلغ وذهب إلى المواطن الهندي وعندما عثر عليه قال له: أرجو أن تقبل اعتذاري وأسفي، لقد صفعتك ورددت لي الصفعة، وأصبحنا متساويين، وهذه خمسون ألف روبية هدية مع اعتذاري لك.
قبل الهندي الاعتذار والهدية ونسي أنه ضرب على تراب وطنه من مستعمر إنجليزي يحتل وطنه.
كانت الخمسون ألف روبية في تلك الفترة تعتبر ثروة كبيرة بالهند، اشترى الهندي بجزء من المبلغ منزلاً، وجزء احتفظ به، وجزء اشترى به سيارة، واستثمر جزءاً من المبلغ بالتجارة، وتحسنت ظروفه، وأصبح مع مرور الوقت من رجال الأعمال والتجار الهنود، لكن البريطاني لم ينس صفعة الهندي له أمام الناس.
وبعد فترة من الزمن استدعى القائد الإنجليزي زميله الضابط الذي صُفع وقال له: أتذكر المواطن الهندي الذي صفعك؟
قال الضابط: كيف أنسى؟
قال القائد البريطاني: حان الوقت لتذهب وتبحث عنه وبدون مقدمات اصفعه أمام أكبر حشد من الناس بمكان عام.
قال الضابط لزميله: لقد رد الصفعة لي وهو لا يملك شيئاً، أما اليوم وقد أصبح من رجال الأعمال والتجار وله أنصار وحراس وجمهور، فهو لن يصفعني فقط، بل سيقتلني على الفور حالاً.
قال القائد: الآن لن يقتلك، اذهب ونفذ الأمر العسكري بدون نقاش.
امتثل الضابط لأوامر قائده مرة ثانية، وذهب إلى حيث الهندي، كان حوله أنصاره وخدمه وحراسه وجمع من الناس، فرفع يده وبكل ما أوتي من قوة صفع المواطن الهندي على وجهه حتى أسقطه أرضاً.
ولم تبدر من الهندي أي ردة فعل، حتى إنه لم يجرؤ على رفع نظره في وجه الضابط الإنجليزي أبداً وظل مطأطأ الرأس.
اندهش الضابط وعاد مسرعاً إلى قائده البريطاني مستغرباً.
قال القائد للضابط: إني أرى على وجهك علامات الدهشة والاستغراب لماذا؟ قال: نعم في المرة الأولى رد الصفعة بأقوى منها وهو فقير ووحيد، واليوم وهو يملك من القوة والثروة ما لا يملك غيره لم يجرؤ على قول كلمة فكيف هذا؟ قال القائد الإنجليزي: في المرة الأولى كان لا يملك إلا كرامته وعزة نفسه.. ويراها أغلى ما يملك في الدنيا، فدافع عنها دفاعاً مستميتاً! أما في المرة الثانية وبعد أن باع كرامته (بخمسين ألف روبية).. فهو لن يدافع عن كرامته فلديه ما هو أهم منها!