د. نوف بنت محمد الزير
يحظى قطاع الأوقاف في المملكة العربية السعودية بنهضة تنموية سريعة نتيجة الرعاية الكريمة التي توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله. وتحقيقًا لمستهدفات الرؤية الوطنية المباركة في تعزيز الهوية الوطنية والمحافظة على القيم الإسلامية في مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر ووطن طموح.
ويؤكّدها ما نشأت عليه المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الأمر الذي جعل الحس الشرعي والاهتمام الديني مؤشرًا ظاهرًا عند أفراد المجتمع ما يدفعهم للسعي فيما فيه نفعهم في دينهم ودنياهم.
ولا شك أن الوقف من أعظم الأمور الشرعية ذات النفع المتعدي، والباقي أجره وأثره أبد الدهر إن شاء الله، هذا الاهتمام الذي بدا جليّاً في العناية الرسمية بالأوقاف منذ كانت ضمن منظومة وزارة الحج والأوقاف. ثم شملتها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وتطورت إداريًا حتى صدر الأمر السامي الكريم بإنشاء الهيئة العام للأوقاف عام 1437هـ، والذي كان له الدور الرائد في العناية بقطاع الأوقاف في نظام مؤسسي لتحقيق مساهمته الفاعلة في الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة.
ورغم ما حققته تلك الجهود المباركة من تقدم إيجابي في هذا القطاع الحيوي، وأثر واضح في تزكية النفوس والأموال، وتطوير المجالات، والتكافل الاجتماعي والمساهمة المجتمعية والانتماء الوطني والحس الشرعي؛ إلا أن الحاجة لا تزال ماسة إلى احتوائه على الاستشارات المهنية بالحجم الذي يحقق توجيهات ولاة الأمر وتطلعات المواطن، الأمر الذي يستدعي إنشاء إدارات خاصة باستشارات الأوقاف بشكل عام والأوقاف النسائية على وجه خاص، وذلك من خلال مكاتب استشارية نسائية للأوقاف تعمل فيها متخصصات في الأوقاف وتكون لديهن خبرات علمية وميدانية متقدمة تمكنهن من صياغة الوقف صياغة صحيحة، وابتكار أفكار ومنتجات وقفية مواكبة للتطور، والإجابة على استفسارات الواقفين، والمستفيدين من الأوقاف والراغبين فيها، وجذب واقفين جدد -خاصة مع وجود رغبة ملحة عند كثيرات من سيدات الأعمال، ونساء مجتمعنا المبارك؛ ولكن يحتجن إلى رفع مستوى الوعي لديهن وتعزيز ثقافتهن الوقفية والتوضيح لهن بكل يسر وسهولة فكرة الأوقاف وآلية تنفيذها ومدى فاعليتها وأثرها المبارك على الواقف والموقوف عليهم ومساهمته في دعم الاقتصاد ومنظومته.
إننا نشاهد التسارع الكبير في افتتاح مزيد من مكاتب الاستشارات بمختلف تخصصاتها: هندسية، إدارية، اقتصادية، اجتماعية، عقارية وصحية، ولكننا لا نكاد نرى إلا عدداً محدودًا من المؤسسات الوقفية التي تُعنى بالأوقاف؛ ولكن لا يوجد فيها وبكل أسف أقسام نسائية ولا متخصصات في المجال الوقفي!
إن الإحصاءات الرسمية تؤكد ضخامة الأرصدة النسائية في البنوك السعودية وما جُبل عليه هذا لكيان الغالي المملكة العربية السعودية من التكافل الاجتماعي، وحب نفع الآخرين باستثمار ينفع صاحبه في حياته وبعد مماته والمتمثّل في الوقف، خاصة المجتمع النسائي فالمرأة يمكنها أن تكون واقفة وهذا ما أقرّه الشرع المطهر وثبت في التاريخ على مر العصور.
حيث أوقفت أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات ونساء الخلفاء والأمراء والوزراء وعامة النساء.
كما يمكنها أن تكون ناظرة للوقف كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما عين أم المؤمنين حفصة رضي الله عنهما ناظرة لوقفه.
إن حاجة قطاع الأوقاف إلى متخصصات في الأوقاف ومستشارات فيه تتسع باتساع رقعة هذا الوطن المبارك وتمتد بتمدد الطموح فيه وهذا ما نترقبه من الجهات ذات العلاقة بأن تدعم تمكين المرأة في قطاع الأوقاف لتكون رائدة في هذا المجال المهم والحيوي، ويمكن أن يتحقق ذلك بافتتاح معاهد للأوقاف، ومراكز للتدريب على الاستشارات الوقفية ونظارة الأوقاف، وصياغة وثيقة الوقف، وتأسيس البرامج التأهيلية في الجامعات والكليات، ومنهجة ما يتعلّق بالأوقاف والوصايا ضمن الكتب المتخصصة في مدارس التعليم العام، وتأليف المقررات وتصميم المناهج لنصل إلى ذروة سنام العلم الذي يتبعه العمل وينتج عنه التنمية المستدامة والإتقان الدائم والمنفعة العاجلة والآجلة.
والمؤمل لتكتمل المنظومة فتح المجال في سوق العمل لهذا التخصص بإدراج تخصص الأوقاف ضمن التصنيف السعودي الموحّد للتخصصات، والتصنيف السعودي الموحّد للمهن.
كما يمكن أن تكون الاستشارات الوقفية ضمن المهن الاستشارية التي تصدر لها تصاريح نظامية خاصة لفتح شركات استشارات مهنية متخصصة في الأوقاف.
هذا ما نأمله أن يكون من خير البرّ الذي ينتفع به الناس أحياءً وأمواتًا ويمتدّ به العمل وتُزكّى به النفوس.
أدام الله على وطننا الأمن والازدهار وبارك الجهود وسدد الخطى.