سمر المقرن
بعضهم لا يشفق إلا على من يستطيع التعبير عن آلامه بأي صورة، أما البقية فإنهم كجوف الأرض، يدفنون آلامهم في الأعماق فيدهسها البعض بلا رحمة أو شفقة، ودون أن يعلموا بأن هناك أرواحاً تحترق في مجمرة الكتمان وصعوبة البوح.
وهؤلاء الذين لا يبوحون بآلامهم ويكتمون في أنفسهم كثيراً من المشاعر الدامية فتكون نهايتهم غالباً حزينة، بعد أن تتبعثر أرواحهم مع رياح الوجع. ألم يكن الأولى لهم الانسحاب قبل أن تغرق أرواحهم بالألم وتذهب أنفسهم على أنفسهم حسرات وتضيع حياتهم بلا مقابل؟ فهل الانسحاب دائما من صفات الجبناء؟
الإجابة: لا.. فأحياناً يكون الانسحاب هو قمة الشجاعة والقوة، وإلا ماذا يفعل فريق الصمت أمام جحافل وجيوش العلاقات الرديئة التي لا ثمرة مرجوة منها إلا الحيرة والألم والحرمان والفشل! أليس من الأفضل أن ينسحب الانسان من مكان لا يعرف من فيه قيمته الحقيقية ولا يقدرونها حق تقديرها؟!
والانسحاب ليس هنا فقط، بل في مناحي كثيرة من حياتنا، فلماذا لا ينسحب الزوج من معركة اشتعلت بوادرها في الأفق مع زوجته؟ أو أن تنسحب الزوجة من مشاجرة وشيكة مع زوجها قبل أن تزداد الأمور سوءًا، قد تنتهي بالانفصال العاطفي أو الطلاق ثمنا للتمسك بعدم الانسحاب؟ وهذا أضعف الإيمان إذا لم تتطور الأمور إلى جريمة قد تقع بين الطرفين!
ونفس الحال لأي علاقة اجتماعية غير متكافئة ولا متوازنة، فإذا شعر طرف أن استمراره سوف يسبب له المتاعب أليس الأولى الانسحاب؟ أو أليس الانسحاب من علاقة عاطفية مظلمة أولى من السقوط في بئرها المظلم؟ أو أليس الانسحاب من جدال عقيم قد ينتهي بكارثة أفضل من الاستمرار فيه، وهكذا الحال في كل أمور الحياة!
علينا أن نتمسك بالانسحاب حفاظا على كرامتنا، بل وحياتنا أحياناً، ألم نسمع عن الأمر الإلهي المباشر {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، أليس هذا انسحاباً مشرفاً بدلاً من الاستمرار في مناقشة أحمق؟! ما جدوى الدخول في نقاش عقيم يقلل من قيمته ويكسر نفسه؟!
العبرة بالانسحاب أن يأتي في الوقت المناسب وليس بعد فوات الأوان، وبلا شك الانسحاب يحتاج إلى مهارة قوة القلب وتمالك الأعصاب وضبط النفس حتى يصبح بحق من شيم الشجعان!