عبدالوهاب الفايز
النجاح ينتظرنا في هذا القطاع: مع تعاظم الفرص والتحديات في منظومة التدوير، هل ننجح في الاستثمار، ونبني على نجاحنا في عدد من القطاعات؟
القطاع الذي يسجل النجاحات المتتالية الآن هو قطاع التسويق للمنتجات والخدمات البترولية، فعبر إعادة هيكلة الاستثمار في محطات الوقود (يقدر عددها بحدود 11 ألف محطة) سوف تتوسع القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني بعد المضي الجاد في تطبيق التنظيمات والتشريعات الجديدة، فالتوجه إلى ادخال الكيانات الاستثمارية الكبيرة هو الضامن لكفاءة تنظيم هذا القطاع، إخراجه من حالة التستر التجاري المسيطرة على معظم نشاطه مما أفقدنا فرصا واسعة في العمل والتجارة، وفوق هذا ساهمت المحطات في التشوه البصري لمدننا، ووسعت المخاطر على السلامة والبيئة. وهذه النجاحات تحققت بعد التوجه لإدارة رحلة التغيير بصورة مركزية تضمن تضامن وتضافر جهود الأجهزة الحكومية لتحقيق المصلحة العليا، ولضمان توفر جميع العوامل التي تسرع الإنجاز، وتضمن معالجة الأضرار الناشئة على الأطراف المشاركة في حينه.
وقامت بهذه الجهود (اللجنة التنفيذية الدائمة لمراكز الخدمة ومحطات الوقود) التي ترأسها وزارة الطاقة، وتضم في عضويتها وزارات البلدية والإسكان، والداخلية؛ ممثلة بالمديرية العامة للدفاع المدني، والمالية، والنقل، والسياحة، والإعلام، والتجارة، والبيئة ممثلة بالمركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، والشؤون الإسلامية، والموارد البشرية، وهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة. اللجنة قامت لضمان تحقيق تنفيذ المصلحة الوطنية العليا، وتقوم بالرقابة الشاملة والمستمرة على مدار العام للتأكد من جودة جميع المنتجات البترولية والخدمات المقدمة في مراكز الخدمة ومحطات الوقود، وللتأكد من الالتزام بالاشتراطات المطلوبة.
هذه الجهود المركزية المنظمة عززت ثقة المستثمرين بالقطاع، مما استقطب الاستثمارات الكبيرة من شركات النفط الخليجية والعالمية للاستثمار في محطات الوقود. وهذه الكيانات سوف تجلب معها فرصا تجارية للمستثمرين الأفراد للمشاركة عبر الامتياز التجاري، أو عبر تأجير المحطات برخصها إلى هذه الكيانات.
وأيضا سوف تُدخل التقنيات الجديدة للبيع والرقابة على السلامة، وهذه سوف تقلل من كثافة العمالة معدومة المهارات في هذا القطاع، وتتيح الفرصة لإحلال الموارد البشرية السعودية في الخدمات المساندة المالية والإدارية في هذا النشاط. الكيانات الكبرى، بحكم حرصها على العلامة التجارية وعلى حصتها السوقية، سوف تعمل على رفع كفاءة العاملين عبر برامج التأهيل والتدريب، مع المساهمة في برامج المسؤولية الاجتماعية. وهناك منافع عديدة أخرى لدخول هذه الكيانات الكبيرة.
هذا النجاح نتمنى أن نراه يتسارع في منظومة الاقتصاد الدائري، فالمجالات العديدة التي يغطيها تتوزع مسؤولياتها بين العديد من الجهات الحكومية والخاصة.
والتعامل مع منظومة الطاقة بما فيها محطات الوقود، كـ(منظومة سيادية) تتطلب الإشراف المركزي، هو الذي نظم عمل جميع الشركاء وسرع رحلة التحول الإيجابي، وقادنا إلى قصص النجاح التي نراها، و(المركزية الذكية) في الإدارة الحكومية سبق أن جَلبت لنا النجاح في برنامج كفاءة الطاقة الذي ساهم في تعظيم الفوائد الاقتصادية الوطنية من مواردنا النفطية. وهذا النجاح في معالجة محطات الوقود كنا نتطلع إليه منذ سنوات طويلة بعد اتضاح الضرر الوطني المتعدي، وفي نهاية التسعينيات الميلادية الماضية تناولت الصحافة المحلية هذا الموضوع وكتب كثيرون مقالات تطالب الحكومة بضرورة التدخل لإصلاح القطاع، ولكن الاستجابة كانت حذرة ومترددة.
أذكر عندما كتبت حول ضرورة دخول أرامكو لقيادة الاستثمارات في هذا المجال، وبعد نشر المقال في جريدة الرياض، تلقيت اتصالا من أحد القيادات في أرامكوا ليوضح أن الشركة كان لديها الرغبة في الاستثمار، وذكر أنهم أعدوا نموذجا للمحطات، ولكن تم إيقاف المشروع حتى لا يقال إن أرامكو تزاحم المستثمرين الأفراد.
طبعا حينئذ نتفهم هذه المحاذير، رغم أنه يمكن تجاوزها بما تم إقراره حاليا، فالمستثمر الفرد متاح له الاستمرار عبر صيغ عدة، وفيها فائدة كبيرة له إذا هو مستثمر جاد.
قصة النجاح مع محطات الوقود نتمنى تكرارها في قطاع مهم جدا وهو قطاع التدوير بأنواعه المدرجة ضمن الاقتصاد الدائري.
في هذا المجال ثمة تحديات واسعة، وأبرزها ضرورة الحد من السلوكيات التي تسبب الأضرار للبيئة واستبدالها بالسلوكيات الواعية الصديقة للبيئة، مسار التوعية هو تحدّ حقيقي، وقضايا البيئة وتحديات الاقتصاد الدائري لا يمكن أن نحقق فيها قصة نجاح إذا ظللنا ننتظر نمو الوعي ونراهن عليه.
السلوكيات الخاطئة الضارة للبيئة تعالج بالتشريعات والتدخلات الحكوميّة الذكية التي تضعها في إطار القضايا السيادية الوجودية التي لا تحتمل المساومة لكونها تمس الجوانب الأساسية والحقوقية والاجتماعية للإنسان وللبشرية، فأثارها السلبية والإيجابية متعدية وممتدة. وهذا ما تحقق لدينا، الإرادة السياسية الجادة التي حملتها رؤية المملكة وبرامجها ومرتكزاتها ساعدتنا على تطوير التشريعات لحماية البيئة، وأيضا أوجدت الممكنات والمحفزات.
المملكة كانت تبنت المبادرات المحلية والدولية في كل متطلبات البيئة والاقتصاد الدائري للحد من التلوث بكل أنواعه، ومن هذه الجهود تم إنشاء مركز وطني متخصص لإدارة النفايات، ومركز وطني للرقابة على الالتزام البيئي، وإقرار نظام البيئة ولوائحه التنفيذية، ونظام إدارة النفايات ولائحته التنفيذية، وعملت على تطوير مخطط استراتيجي شامل لإدارة النفايات، مع إقرار إجراء دراسات تقييم الأوساط البيئية وتلوثها بالتعاون مع مراكز الأبحاث والجامعات السعودية، وتعزيز وسائل الرصد البيئي للبيئات البرية والبحرية والساحلية، ومراقبة الأنشطة الإنمائية ومصادر التلوث،
كما تم وضع الخطة اللازمة لتخفيف التلوث، وإطلاق مبادرة الإدارة المستدامة لبيئات المناطق الساحلية والبحرية والمحافظة عليها؛ بهدف المساهمة في حماية البيئة البحرية واستدامتها من خلال إعادة تأهيل مختلف البيئات البحرية، وذلك بإزالة المخلفات الصلبة مثل البلاستيك وشباك الصيد البلاستيكية.
والمملكة تشارك في تحالفات عالمية وتتعاون مع منظمات دولية بهدف ضمان المعالجة الآمنة للنفايات البلاستيكية والحد من تسربها، وتوحيد المواقف الإقليمية في المفاوضات الدولية، ومنها المشاركة في التحالف الطوعي للقضاء على النفايات البلاستيكية في المحيطات والشواطئ (رؤية أوساكا لمحيط أزرق)، إضافة إلى تنظيم حملات تطوعية في مختلف مناطق المملكة لتنظيف الشواطئ والمتنزهات من المخلفات، وإقامة حملات وفعاليات توعوية للحث على تقليل الاعتماد على المواد ذات الاستخدام الواحد ومنها البلاستيك. وكذلك تم إنشاء شركة (سرك) لتكون الذراع الوطني وقاطرة الاستثمارات النوعية في قطاع الاقتصاد الدائري.
نحتاج استمرار وتوسع قصص النجاح، فالإقبال والامتثال والدعم الشعبي لتوجهات الحكومة في منظومتي الطاقة والبيئة هو مؤشر ثقة ودعم وقناعة من جميع المواطنين، فالدولة في كل برامجها هدفها الأساسي الثابت هو السعي في مصالح الناس وفي مصالح الدولة العليا.
وعندما تتقرر المصلحة في أُمور الاقتصاد ومعاش الناس تكون الاستجابة الشعبية حاضرة، والإدارة المركزية الصارمة لاحتياجات التنمية هي التي جعلتنا نوفر خدمات الطرق والكهرباء والماء والاتصالات والتعليم والصحة إلى بطون الصحاري وأعالي الجبال.