محمد سليمان العنقري
اختتمت الألعاب الأولمبية الصيفية باريس 2024 م والتي شهدت إثارة للجدل منذ حفل الافتتاح، الذي تفاجأ العالم ببعض فقراته التي لاقت انتقادا عالميا واسعا واضطرت اللجنة المنظمة للاعتذار عنها تحديدا السخرية من لوحة العشاء الأخير. وعلى صعيد التنظيم أيضا كان هناك انتقادات واسعة حسب ما نقلته عديد من التقارير الإعلامية حول الخدمات في القرية الأولمبية وبكل الأحوال انقضت هذه الدورة كغيرها وعاد من حقق إنجازا فيها سعيدا لوطنه، فالدورة الأولمبية الصيفية هي أهم تجمع رياضي عالمي وهي مناسبة تفتخر فيها الدول برياضيها وتعكس مدى نجاح خططها في نشر الرياضة والألعاب واكتشاف المواهب وتطويرها وقد شارك في هذه الدورة أكثر من عشرة آلاف رياضي من نحو 200 دولة.
وفي محصلة ترتيب أعلى الدول حصولا على الميداليات لم يطرأ تغيير، فأمريكا دائما في المقدمة وتليها الصين ولولا غياب روسيا القسري بحكم إيقاف مشاركاتها الرياضية بعد شنها حربا على أوكرانيا لكانت منافسا قويا كالعادة بينما على مستوى أعلى عشر دول تحقيقا للميداليات، فأيضا كلها من دول متقدمة اقتصاديا وغالبيتها لديها تعداد سكاني مرتفع، أما عدد الدول التي حققت ميداليات فقد بلغ 91 دولة وتميزت بوجود دول ذات تعداد سكاني قليل وإمكانات محدودة حيث يتضح تركيزهم على رياضات معينة تحديدا في سباقات الجري وهذه تعد ميزة أن تركز الإمكانات على ما يمكنك أن تتفوق فيه.
لكن اللافت أن المملكة لم تحقق أي ميدالية في هذه الدورة وكانت مشاركتها بعشرة لاعبين فقط وهو عدد قليل جدا قياسا بعدد السكان أو بالنسبة لمن هم في سن الشباب الذين يمكن أن يشاركوا في مثل هذه الدورات الكبرى، فبالألعاب الجماعية مثل كرة القدم أو السلة والطائرة واليد لم يتأهل أي من المنتخبات، أما الألعاب الفردية فكان العدد قليلا وأغلبهم برياضة الفروسية ومع ذلك لم يحقق أي فارس نجاحا يذكر وقد طرحت تساؤلات عديدة بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لماذا لم نحقق أي ميدالية في هذه الدورة وهل هناك إشكالية بالاستراتيجية التي تتبعها الجهات المعنية بالرياضة سواء وزارة الرياضة أو اتحادات الألعاب أو بتوظيف الإمكانات؟ ولماذا لم تنجح الخطط باكتشاف مواهب باعداد كبيرة وتطويرها في مختلف الألعاب خصوصا الفردية، فعدد طلاب المدارس والجامعات والمعاهد يفوق ثمانية ملايين؟ فهل وضعت برامج لانتشار الرياضات بمختلف المدن، وهل عملت مسابقات كافية بعد أن يتم اكتشاف المواهب وتيسير الطريق أمامها لتتطور سواء على مستوى المدارس أو الجامعات أو المدن والمناطق وبعد ذلك على مستوى المملكة مع استقطاب مدربين ومخططين لنشر هذه الرياضات واستقطاب الموهوبين وتأهيلهم داخليا وخارجيا والحقيقة التساؤلات لا تتوقف وهي تنبع من نظرة مقارنة بـدول عديدة ذات اهتمامات رياضية محدودة وإمكانات أقل ومع ذلك نجحت بتحقيق إنجازات في أغلب مسابقات الأولمبياد سواء التي انتهت في باريس أو الدورات السابقة.
نسمع عن خطط تتكلم عن نتائج منتظرة في المستقبل لكن الرياضة في المملكة ليست ذات عهد حديث، فالاتحادات الرياضية أغلبها قديمة ويفترض أنها أسست لأدوارها منذ زمن بعيد وتطوير الألعاب الرياضية وبناء قاعدة رياضيين ضخمة لا يحتاج لاختراع عجلة، فهناك تجارب عالمية كثيرة يمكن الاستفادة منها ولكن البداية تحتاج لتحديد المشكلة والبدء بمعالجتها حتى تتحول لفرص نجاح مع تقييم للأنظمة والمرافق وكفاءة الإنفاق وأيضا التنفيذيين القائمين على اتحادات الألعاب وكذلك الطواقم الفنية وكل ما يتعلق بتحليل الواقع قبل وضع أي خطة استراتيجية، فأي حلول ستقدم قبل فحص دقيق يكشف الخلل والاحتياجات تصبح مجرد مسكنات قد تحقق بعض النتائج، لكنها لن تعالج الخلل، فالرياضة ليست مرتبطة بالصحة العامة فقط واستثمار الطاقات الشابة سيحقق إنحازات بالمحافل الدولية مثل الأولمبياد ستكون مكاسبها كببرة جدا وداعم مهم للقوة الناعمة.