خالد بن عبدالرحمن الذييب
في إحصائية لأكثر المدن التي بها ناطحات سحاب يتجاوز ارتفاعها 150م، لعام 2023م، حسب موقع CTBUH تصدرت هونج كونج مدن العالم بعدد يصل إلى 558 ناطحة سحاب وتلتها شيزين الصينية بعدد يصل إلى 412 ناطحة سحاب ثم نيويورك، وكانت دبي المدينة العربية الوحيدة ضمن العشر الأكثر أبراجاً في العالم واحتلت المركز الرابع بإجمالي 263 ناطحة سحاب، وفي المراكز من (5) إلى (10) كان هناك أربع مدن صينية ومدينتا طوكيو اليابانية وكوالالمبور الماليزية في المركزين السابع والثامن على التوالي. ويلاحظ من هذه القائمة «العشرية» خلوها من المدن الأوروبية، بل إنه في قائمة الـ50 مدينة الأولى في العالم لا يوجد إلا مدينتان أوروبيتان هما موسكو ولندن في المركزين (36) و(46) على التوالي، بينما احتلت دول شرق أسيا القائمة بعدد يصل إلى (35) مدينة.
عندما نقارن هذه القائمة بقائمة المدن الأكثر قابلية للعيش حسب معايير الإيكونومست لعام 2023م نجد أن المدن العشر الأولى في قائمة الإيكونومست غير موجودة في قائمة CTBUH، بينما في المدن ذات الأكثر زيارة في العالم حسب قائمة Eouromoniter.com لعام 2023م نجد أن ثلاثا منها ضمن المدن الأكثر ناطحات سحاب في العالم وهي على الترتيب دبي، طوكيو، وأخيراً نيويورك. وهذا نطرح تساؤلا هل هناك تناسب عكسي بين قابلية الإنسان للعيش في المدينة من جهة وبين عدد الأبراج فيها وقابليتها للسياحة من جهة أخرى؟ وهل ناطحات السحاب تشكّل هاجساً سلبياً لدى السكان وأن التركز العمراني الذي يُعد أحد أهم عوامل الاستدامة باعتباره أحد مفاهيم التخطيط الحديث أدى فعليا إلى نتائج عكسية؟ أم أن القضية تتعلق بسوء تطبيق للمفهوم؟ وهناك تساؤل أخر يُطرح، هل معايير الإيكونومست تعتبر عادلة ولا جدال فيها، والقول الفصل في تحديد رغباتنا ناحية المدن؟ خاصة أن هناك بعض الانتقادات للمجلة باعتبارها قائمة على مبدأ «الأنجلو سينترك» أي أنها متركزة حول العقلية «الأنجلوسكسونية». شخصياً لا أحب الجزم بأي شيء لأن ما تعتقده اليوم بناء على معطيات معينة، قد يتغير مستقبلاً في حال اختلاف المعطيات، ولكن مبدئياً فإن معايير الإيكونومست أقرب للمنطق فهي تبحث عن الرعاية الصحية، وعن الأمان وعن ما يهم الساكن بشكل عام في المدن بينما قائمة CTBUH بحثت عن عدد الأبراج وارتفاعاتها بمعايير لا علاقة لها بجودة المدن، بمعنى أن التواجد ضمن هذه القائمة أو عدمه لا يشكل ربحاً أو خسارة، بينما قائمة Eouromoniter ركّزت على المدن الأكثر جذباً للزوار وهي قائمة تبحث عما يهم الزوار من حيث مناطق الجذب السياحية بمختلف أشكالها.
هذا لا يعني أن المدن الأوروبية، وشمال أمريكا، وأستراليا ونيوزلندا باعتبارها المسيطرة على قائمة الإيكونومست لا تجذب السياح، ولكن ما يميزها أنها أعطت الأولوية لساكنيها، بينما مدن الشرق الأقصى ربما أعطت الأولوية للأعمال، أما المدن السياحية فهي تعطي الأولوية لزائريها.
أخيراً ...
ما هي الغاية الأساسية للمدينة؟ أن تكون قابلة للعيش، أم الأكثر زيارة، أم الأكثر أبراجاً؟
ما بعد أخيراً...
تحديد الأولويات مهم لتحديد شكل المدينة... وليس عيباً أن تختلف الأولويات لكل مدينة.