د.شريف بن محمد الأتربي
يظل التقييم هو اللاعب الأساسي في حياة المجتمعات كلها، حيث يخضع الإنسان والمجتمع ككل لحالة تقييم مستمرة تهدف إلى الوصول لأفضل سبل العيش وممارسة الحياة الطبيعية بدون منغصات أو معكرات صفو، لذا فإن المجتمعات المتقدمة، أو تلك التي تحاول الوصول إلى ركب التقدم تعمل جاهدة على توفير أطر معينة من التقييم بصفة مستمرة لجلب البيانات المساعدة في الوصول إلى الأهداف المنشودة.
التقييم وفقاً لتكومان، هو عملية لتحديد ما إذا كان نشاط وعملية ونتائج برنامج ما مُتوافقةً مع الأهداف المحددة. ويرى البعض أن التقييم يعني بيان وإعطاء قيمة للشيء فقط والحكم عليه دون تصحيحه أو معالجته، ويرى آخرون أن التقويم يركز على التصحيح والتعديل، ولذلك كان التقويم مصطلحاً أعمّ وأشمل من التقييم، كما يرى بعض اللغويين أن كلمة تقييم خطأ شائع، ويوجبون استخدام التقويم عوضاً عن التقييم، ومذهبهم في ذلك سببه أن التقييم تقديرٌ وتثمين، بينما التقويم تصحيحٌ وتعديل.
والتقييم الذاتي هو واحدٌ من أهم التقييمات التي تستخدم على مستوى المؤسسات والأفراد، وينعكس ذلك تلقائياً على المجتمعات سواء كانت مجتمعات أعمال، أو المجتمع بمفهومه الواسع. والتقييم الذاتي هو مرحلة مهمة ومتكررة في حياة الإنسان؛ إذ يراجع فيها تصرفاته وأفكاره وخطواته التي قام بها بهدف تحديد مستوى أدائه، ومدى وجود تقدم في الأداء، ويساعد التقييم الذاتي الفرد على الوصول إلى أهدافه وطموحاته المخطط لها، كما يساعده على العيش بطريقة ممتعة ومسؤولة؛ إذ يعزز التقييم الذاتي إحساس المسؤولية لديه تجاه أقواله وأفعاله، وأفكاره ونواياه ومخططاته، ولا يترك مجالاً للعشوائية والتشتت للتأثير على حياته.
حرصت جميع الديانات على أن يكون كل فرد مسؤولاً عن نفسه، بل ودعته إلى تقييمها وتهذيبها من أجل الفوز بالجنة، وقد ورد في القرآن الكريم عدة آيات تشجع على التأمل في النفس والتأمل في تصرفات الإنسان وعواقبها حيث يرتبط بالتقييم الذاتي للمسلم، فقد جاء في سورة (الشمس: 7-10) {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، وفي سورة (الشعراء: 88-89) {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وفي سورة (الكهف: 103- 104) {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
هذه الآيات وغيرها من الأحاديث النبوية المطهرة، تعكس فكرة التقييم الذاتي من منظور إسلامي وضرورة محاسبة وتقييم الأعمال التي يقوم بها المسلم في الحياة الدنيا قبل الحساب الإلهي يوم القيامة.
وينعكس التقييم الذاتي للفرد على المجتمع ويظهر أثره في التغير الذي يطرأ على أفراد المجتمع أنفسهم، حيث يصبحون أكثر قدرة على فهم أنفسهم وقيمهم الشخصية، وكذلك القدرة على التكيف بشكل أفضل مع التحديات والمتغيرات التي تواجه المجتمع، كما يعزز الشفافية والمساءلة، ويعزز الابتكار والإبداع.
يلعب التقييم الذاتي دوراً هاماً في تنمية المجتمع عن طريق تحسين الأفراد وتعزيز قدراتهم ومساهمتهم في بناء مجتمع أكثر تقدماً وازدهاراً.