هناء الحمراني
علمتنا الحياة أن لدى العالم الكثير من المشكلات، وعلمتنا الرياضيات أن لكل مشكلة أكثر من حل، وأنه قد يوجد حل أقصر، وأنه إذا اختير أحد الطرق للحل، وبدئ باستخدامه فعلى العالم أن ينتبه لبعض العلامات التي تدل على أنه في الطريق الخطأ، وأبرزها أن تزداد الإجراءات تعقيدًا، ويصبح شكل الحل بشعًا! ولأنه ما زال بحاجة إلى إيجاد الحل، فعليه الاختيار بين أمرين أن يستمر في التعقيد والضياع، أو أن يبدأ من جديد وقد اكتسبنا خبرة لا بأس بها من الطريقة الفاشلة. ولأن بيئة العمل جزء من الحياة، فهي ليست بمعزل عن المشكلات التي تتنوع في حجمها وكيفية حلها، فقد تواجه جهات نفس المشكلة، ولكن تختلف في طريقة حلها لها، فمنها من تتجاهل المشكلة وتأمل أن تصلح الأمور من تلقاء نفسها، وإن لم تصلح فليس ذلك بالأمر المهم! ومنها من تحاول إصلاح المشكلة بتكليف لجان داخلية حتى وإن لم تكن خبيرة في هذا المجال، ومنها ما هو مستعد للاستعانة بذوي الخبرة من داخل المنظمة، أو خارجها لإصلاح المشكلة.
وتبدأ اللجنة عملها باختيار الحل الذي تراه مناسبًا، وقد ينجح الحل وتُحل اللجنة، مما يعطي فرصًا جديدة لأعضائها بالانضمام إلى أعمال أخرى، وقد تتخذ مسارًا آخر لتجد اللجنة نفسها في معمعة وإجراءات معقدة تزداد سوءًا كلما أوغلوا في العمل، وبدلًا من التوقف والنظر بعين ناقدة إلى التعقيد الذي وصلوا إليه، فإن اللجنة تبدأ بوضع أدلة إجرائية وإرشادية لفهم التعقيدات الحاصلة، ولأن العبء أصبح أكبر فلا بد من تكليف المزيد من الأشخاص للمشاركة في حل المشكلة، وتتحول اللجنة إلى إدارة، ثم إدارة عامة، ثم إلى كيان أكبر لحل نفس المشكلة التي لم تحل منذ سنوات!
ونتيجة لذلك تظهر مشكلات جديدة كالاستنزاف المادي، وإجهاد الآخرين بمهام إضافية، أو إشغالهم عن مهامهم الأصلية، ومع الوقت يتم تفريغهم لحل هذه المشكلة، وتوظيف غيرهم ليقوموا بالمهام التي كانوا يقومون بها. ومع وجود التوجه الذهني لدى الجهات نحو تشكيل اللجان (المزمنة) لحل المشكلات، ستواجه الجهات تضخمًا في هيكلها التنظيمي، وسيكون في المنظومة أشخاص لديهم مهام غير حقيقية، ولدى الجهة مشكلات مزمنة لا حل لها. ليس لأنه بالفعل لا يوجد لها حل، ولكنها المبرر الوحيد لبقاء هذه اللجان قائمة.
إذن ما الحل؟ هل يمكن تغيير هذه الممارسات؟ هل يمكن حل المشكلات؟ إن من الطرق التي أقترحها للتعامل مع المشكلات هو طرح السؤال: ما هي المشكلة، ثم طرح سؤال آخر: كيف يمكن حل المشكلة؟ ثم طرح سؤال ثالث ما الطريقة الأبسط؟ كم تتطلب من الوقت؟ وفي حال كان الحل يتطلب وقتًا طويًلا هنا يتم التعامل مع المشكلة كمشروع يتطلب حلًا، يحدد فيه المخرج المطلوب، والمدة الزمنية، وفريق العمل، وتتم متابعة الأداء بصرامة وجدية لمراقبة مستوى التقدم، مع اتخاذ الإجراءات التي تساعد على عدم ظهور هذه المشكلة مجددًا.
إن مهارة حل المشكلات مهارة مطلوبة وبشدة، وتعد من المهارات التي تركز عليها المنظمات المحلية والدولية، وكل تجربة تمر بها الجهة هي تجربة جديرة بالتعلم، ومن وجهة نظري المتواضعة فإن قدرة المنظمة على حل المشكلات الداخلية تزيد من قيمتها في سوق العمل؛ لأنها تستثمر جهدها وإمكاناتها في إزالة العقبات في مدد زمنية وجيزة، وتحويل البعض منها إلى فرص، واستثمار إمكانات موظفيها في الإنتاج والإبداع، وتطوير مهاراتهم في حل مشكلات مستقبلية، مما قد يجعلهم بيت خبرة في نوع محدد من المشكلات المؤسسية، ويتم قصدها من مختلف القطاعات للتعلم من تجربتها.