د. محمد بن إبراهيم الملحم
قبل ثلاثة شهور تقريباً وعندما تفضَّل معالي وزير التعليم -حفظه الله- بزيارة مجلس الشورى وقدَّم إجابات على استفسارات أعضاء المجلس الموقرين ومن ضمنها الحديث حول الفصول الثلاثة فقد صرَّح أن هناك توجيهاً من المقام السامي بدراسة هذا الموضوع، وهذا أولاً مظهر رائع من مظاهر اهتمام القيادة بما يدور بين المواطنين من هموم، وفي نفس الوقت يكشف لنا ذلك مدى أهمية استقرار القرارات لدى القيادة الكريمة لما يمثّله ذلك من انتظام واستقامة لجودة إنتاجية مجالات العمل، فتحديث القرار إن كان سيتم فيجب أن يبنى على أساس دراسة شاملة تستشف الإيجابيات والسلبيات وتوازن بين مختلف العوامل والمتغيرات المتعلقة بالموضوع. وإن كنت سأتصور دراسة من هذا النوع فإني أتصورها على النحو التالي: أولاً لا أشك أن كل من يفكر في هذا الأمر سيتبادر لذهنه عمل مسح لآراء المستفيدين وجميع أصحاب المصلحة stakeholders سواء أولياء الأمور من الآباء والأمهات أو المعلمين أو الإداريين أو خبراء التعليم وكذلك ممثلون عن أجهزة الدولة الأخرى التي يمكن أن تكون لها علاقة بمسألة الدوام مثل المرور والشرطة والصحة والسياحة وغيرها، ولكن بالإضافة إلى مثل هذا المسح التقليدي والذي يمثّل ما يُسمى بـ Soft Data في عالم البحث العلمي ودراسات السوق Market Research فإنه ينبغي أن يضم له جمع معلومات أخرى مهمة وتُسمى Hard Data تتمثَّل في إحصاءات متوفرة ضمن سجلات الوزارة أو غيرها من الجهات ذات العلاقة، وهذه لها أهمية كبيرة لأنها تعكس حقائق Facts بينما الأولى تعكس آراء Opinions وهما الجناحان اللذان يمكن أن تحلق بأحدهما الدراسات الإنسانية ولكن إذا اجتمعا معاً كان التحليق عالياً.
وفي هذا المجال أرى أن تتناول الدراسة مدى نجاح المؤسسة التعليمية في التعامل مع أبرز عقبة في تطبيق هذا النظام والمتمثّل في البداية المبكرة للفصل الأول ليكون ضمن ذروة حر الصيف تقريباً، وأقصد بذلك القدرة على الوصول إلى مستوى عال من جاهزية أجهزة التكييف في المدارس وكذلك صيانة مصدر الطاقة الكهربائية لها وبخاصة العدادات ولوحات توزيع الكهرباء والتي أحياناً تحصل لها انفجارات نتيجة لضغط سحب الكهرباء مع شدة حرارة الجو وتمدد قابسات الكوابل مما يحدث شرارات حرارية تسبب سخونة عالية في هذه المعدات وتوقفها عن العمل بانفجارها أو تعطلها، ويعود ذلك إلى غياب الصيانة «الوقائية» والتي يجب أن تتم كل سنة تقريباً بالتشييك على هذه القابسات وتحسين أوضاعها بإجراءات صيانة روتينية لا تكلف الكثير، ولكن هذه الممارسة تكاد تكون غائبة في الغالب، ويمكن أن تتوصل الدراسة إلى مدى النجاح في ذلك بمقارنة نسب حالات تعطّل التكييف أو الكهرباء عبر السنوات الأربع الماضية لتشمل سنتي تطبيق نظام الفصول الثلاثة 2022 و2023 وسنتين قبلها، وهذه المقارنة ستوضح مدى تقدم الجهات المعنية بالصيانة في هذا المجال، مما يعني جدارة المؤسسة لتطبيق نظام الفصول الثلاثة، وبنفس الطريقة تجمع الدراسة أيضاً إحصاءات حالات الإجهاد الحراري التي أصابت الطلاب والطالبات عبر تلك السنوات لتقوم بمقارنتها.
وحيث إن من أهم ميزات نظام الفصول الثلاثة هو قلة كمية المحتوى المعرفي الذي يختبر فيه الطالب كل فصل دراسي مما يساعده على تحصيل نتائج أفضل في الاختبارات خاصة اختبار نهاية الفصل، فإني أرى ضرورة عمل دراسة مقارنة لنتائج الطلاب في المواد التي تتصف بطول أو صعوبة المحتوى المعرفي (وليس لأية مادة) وذلك في المراحل الدراسية التي تطبق فيها اختبارات نهاية الفصل لتقدم مثل هذه المقارنة تصوراً واضحاً حول مدى تأثير الفصول الثلاثة الإيجابي. على أني أنصح أن تكون مثل هذه الدراسة بشروط، فلا تطبق على عينات عشوائية من المدارس، وإنما على عينات قصدية يتم فيها اختيار المدارس الجادة في العملية الاختبارية، فمن المعروف أن هناك نسبة كبيرة من المعلمين في كثير من المدارس لا يجتهدون في تقديم أسئلة اختبارية جادة ولذلك فإن نتائج اختباراتهم لا تميز بين الطالب النجيب المجتهد وذلك الأقل منه ليأخذ كلاهما نفس الدرجة المرتفعة (غالباً الدرجة الكاملة)، كما أني أنصح أن تكون عينة الطلاب المدروسين في المقارنة القبلية- البعدية هي لطلاب متكافئين في القدرة المعرفية حسبما تظهره درجاتهم في المواد التي تعكس تحدياً للمستويات الإدراكية العليا مثل الرياضيات والعلوم والنحو، فبهذه الطريقة تضمن الدراسة صحة المقارنة وواقعيتها.
أخيراً أتمنى أن يشمل مسح الرأي التعرّف على الآراء حول القرارات التي صاحبت قرار الفصول الثلاثة مثل قرار الإجازة المطولة، ومدد الإجازات بين الفصلين وهل هي كافية أم يرى المبحوثون ضرورة زيادتها، وكذلك الإجازة الصيفية ومدتها والتي سبب تقليصها الهجوم الواسع على قرار الفصول الثلاثة. ويمكن أن تتناول أسئلة هذا الجزء الجوانب ذات العلاقة مثل ما مدى ملاحظة الوالدين أو المعلمين للآثار السلبية لطول الإجازة الصيفية وتأثيراتها على فقدان الطلاب لبعض المعلومات والمهارات المكتسبة، وكذلك تأثيراتها النفسية بتلاشي روح الجدية ونمو روح الكسل وحب النوم. وبالطبع فإن مثل هذه الأسئلة في عموميتها الحالية ستقدم ضمن الدراسة بأسئلة فرعية متنوعة وبصياغات مناسبة. ويمكنني المضي أكثر في مقترحات من هذا النوع ولكن الرسالة الأساسية من هذا الطرح هي لفت الانتباه إلى جوانب قد يتجاوزها معدو مثل هذه الدراسات وبخاصة معلومات الحقائق Facts أو ما عبرت عنه بـ Hard Data فلا بد من الاهتمام بها لأنها معلومات صادقة وموثوقة أكثر من معلومات الرأي والتي قد تتبنى موقفاً خاصاً لمصلحة منحازة لجانب المستجيب ولكن لا تحقق المصلحة التعليمية بالضرورة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً.