سالم بركات العرياني
هناك علاقات وثيقة بين علم النفس والأدب حيث إنهما يشتركان رغم اختلاف مناهجهما في الاهتمام بالخبرة والسلوك والشخصية الإنسانية.
لكن يمكننا أن نلاحظ أن معظم الدراسات المبكرة التي حاولت الاهتمام بالأدب من وجهة نظر سيكولوجية كانت دراسات ذات طابع تحليلي أو ذات طابع تأملي ذاتي حدسي. أما الدراسات الموضوعية المنهجية المتقنة التي تعطي اهتماما كبيرا للعمليات الخاصة بصياغة الفروض واختيار العينات واستخدام أدوات تتسم بالدقة فقد كانت دراسات نادرة إلى حد كبير.
وعلى سبيل المثال، وفي المجال التحليلي النفسي قام كل من فرويد وزميله كارل يونج وجونز وغيرهما من المحللين النفسيين بدراسات كثيرة على شكسبير وديستويفسكي وهايني وجوته وهوميروس وبلزاك وجمس جويس وغيرهم. وها هو فرويد يعترف نفسه أن أفكاره كانت موجودة في كتابات شعراء كثيرين سابقين لكن علماء النفس لم يأخذوها على محمل الجد ويشير بعض الباحثين إلى أن الكثير من أفكار فرويد ويونج كانت موجودة لدى الشاعر والرسام وليم بليك والذي اشتملت كتاباته ورسوماته على الكثير من أفكار فرويد ويونج حيث النفاذ إلى أعماق التجربة الإنسانية وعلى الكثير من عمليات الإحاطة بالشخصية الإنسانية في حالاتها المختلفة كما تشتمل النزعة الرومانتيكية نحو الذات وكما تمثلها النصوص الشعرية للشاعر وليم وردزورث مثلاً على العديد من عمليات التصوير للخبرات والمشاعر الإنسانية بما في ذلك خبرات الطفولة المبكرة.
كذلك تحدث كولردج عن العديد من القضايا والموضوعات النفسية خاصة ما يتعلق منها بالأحلام والخيال ولابد من الاعتراف بإسهامات كيتس في الفهم السيكولوجي الخاص بموضوعات مثل تأكيده على دور الهوية كعامل حاسم في تكوين الشخصية وكذلك أفكاره حول العملية الإبداعية بما في ذلك حديثه حول القدرة أو الإمكانية السالبة والتي تتمثل في الابتعاد عن مواصلة التركيز والتفكير خلال العمل الإبداعي واللجوء بدلا من ذلك إلى الاسترخاء والراحة مما ييسر مجيء الأفكار الإبداعية وقد كان لهذه الأفكار وغيرها تأثيرها الواضح على نظرية فرويد عن الأحلام وكذلك العديد من النظريات النفسية التي جاءت بعد ذلك حول الإبداع.
ومع ذلك ورغم الجهود التحليلية النفسية الكثيرة والمتواصلةَ في مجال دراسة الأدب والأدباء من الوجهة النفسية فإن هذه الجهود تظل مفتقرة للكثير من جوانب المنهج العلمي فماذا تضيف الكثير من الكتب في المكتبة العربية حول نفسيات المشاهير أو عاهات المبدعين وما إلى ذلك مما أدى بباحث مثل ماكوردي إلى أن يقول إن سبعين عاماً من الفحص التحليلي النفسي لشكسبير لم يتولد عنه لا أسلوب منظم متميز في البحث يمكن السير على هديه ولا نتائج جديدة جوهرياً.