سهوب بغدادي
«ما كان العشم» جملة تحمل في ثناياها الكثير من المفاهيم والمشاعر الجياشة والدفينة في آنٍ واحد، إذ يرتبط العشم بالتوقعات المسبقة، ويعني «الأمل أو الرجاء من شخص من باب حسن الظن لطلب شيء ما على اختلاف ماهيته في إطارات عدة» فيما يخلد العشم جروحًا كامنة في النفوس، وغالبًا ما نتألم ممن يكون على مقربة منا، فالجرح يأتي من الشخص الأكثر قربًا لا العكس، ففي حال كان المسيء غريبًا وأصبنا منه انتقادًا لاذعًا أو إساءة؛ فلن تقع في النفس بذات الوطأة، فهل تساءلت عن السبب؟ لا ريب في أن مكانة وحب الشخص القريب تؤثر، إنما النقطة الأهم تكمن في أنه انعكاس لذواتنا، بمعنى أن شقيقك في مرتبة عالية وانتقاده لك ينم عن دراية ومعرفة قديمة لهفواتك، إذن، المحصلة ستكون صحيحة على الأغلب، في المقابل، ذاك الغريب الذي تربطنا به علاقة سطحية كزميل العمل أو أشخاص مرحليين، لن يتمكنوا من مكنوناتك باعتبار أنهم لا يعرفونك حق المعرفة، فما يصدر عنهم ليس إلا انعكاسًا لذواتهم، في الحالة الأولى، يدخل الشك في نفس الشخص ويراجع نفسه وقد يجد أنه مخطئ حقًا، أو ليس مخطئًا ولكن سيعيش ويتعايش مع الصراع الداخلي ويجابه أفكاره الجديدة المتعلقة بالجرح، إن الأجمل في الموضوع، أن هناك أشخاصا يتمتعون بالحصانة الجزئية من الإساءات والجروح سواء أتت من قريب أم بعيد وهم من يعرفون أنفسهم حق المعرفة، هم على دراية تامة بأنفسهم وما فيها من مواطن قوة وضعف، فكل ما يقال لهم قد قيل مسبقًا من قبل أنفسهم ووضعوا أنفسهم في مواجهة مع ذواتهم، لينتصر الأقوى في اللعبة، ولن ينجو من الجرح سوى من تمكن من خصمه الأقرب إليه من الجميع «ذاته»، والأهم من ذلك أنه وضع خططًا استباقية لكل سيناريو محتمل متصاحبة مع طرق التحسين إن وجدت، في ختام القول، لا يجرحنا ويؤلمنا سوى أنفسنا، بجهلنا ورحيلنا عنها أو تجاهلها، فبعد تطبيق هذا المفهوم لن تضرك الجروح الصادرة عن أي كائنٍ عمدًا أو طيشًا أو بحسن نية، وستضمد ما تبقى منها وتمضي كما لم يمض أحد.
وَقْعُ الكَلَامِ عَلَى الفُؤَادِ ثَـقِيْلُ
مِنْ كلِّ مَنْ مِنْهُ اللِّسَانُ طَوِيْلُ
فَكِّرْ بِقَوْلِكَ لا تَكنْ مُتَعجِّلًا
إِنَّ الحَمَاقَةَ ثَوْبُهَا التَّعْجِيْلُ
ولَرُبَّمَا صَارَ اللِّسَانُ كَخنْجَرٍ
قَدْ سُلَّ مِنْ غِمْدٍ وصَارَ يَجُوْلُ
يُدْمِي القُلُوْبَ بِقَوْلِهِ وَبِفِعْلِهِ
يعْمِي العُيُونَ وَقَصْدُهُ التَّكْحِيْلُ
- «جهاد جحا»