د.محمد بن عبدالرحمن البشر
شهد العالم طفرات نمو في دول بعينها عبر التاريخ، فشهدت دول كثير رخاء وضيق حال، ولم يغفل التاريخ عن تسجيل مثل ذلك التغير من حال إلى حال، منذ الحضارات القديمة الشرق أوسطية، أو في المشرق والمغرب، فقد قامت حضارات نعمت بالرخاء ثم خبت، وتعاقبت مواقع الحضارات، ومراكز القوة الاقتصادية والعسكرية ففي الشرق الأدنى سجل لنا التاريخ ما مر على السومريين والبابليين والآشوريين والحيثيين والكنعانيين والفينيقيين وسوريا وهضبة الأناضول، وغيرهم، وما مرت به مصر، واليونان، واليمن، وتقلب حالهم، وما جرى في الصين ابتداء من حكم العشائر حتى تكون الإمبراطوريات المتعاقبة، وبعدها الثورة الشيوعية والحرب الأهلية، ثم النهضة الكبيرة الحالية، والجزيرة العربية كان لها نصيب من المشاركة في الحضارة العالمية والتأثير الكبير فيها، ففي مكة المكرمة والمدينة المنورة شع نور الإسلام، والذي لم يكن مرتكزا على العنصر المادي فحسب، بل كان للروح نصيب أوفر من هذا النور البراق، ولم يكن للمادة شأن هام في بداية الأمر، لاسيما في عصر الخلافة الراشدة، وتغيرت أحوال سكان الجزيرة العربية الثقافية، ومع توسع النفوذ العربي والإختلاط مع الشعوب الأخرى وخصوصاً في العصر الأموي الذي كان يعتمد على العنصر العربي في بناء الدولة عسكرياً واقتصادياً، وزاد الرخاء والتقدم حدثت طفرات نمو اقتصادي في بقاع الأرض من الصين إلى الأمريكيتين بعد اكتشافهما.
بعد الحرب العالمية الثانية يمكن للباحث ملاحظة طفرات اقتصادية هنا وهناك، فبعد أن تم دمار ألمانيا واليابان، نجد ان تلكما الدولتين قد نهضتا من كبوتهما، وسابقتا الزمن، وأصبح لكل منهما شأن كبير ومساهمة فعالة في الإنتاج الصناعي، وتصدير المنتجات إلى سائر دول العالم، وكانت نوعية المنتجات تحتاج إلى تحسين في بادئ الأمر، لكنها ما لبثت أن أصبحت من أفضل المنتجات في العالم إن لم تكن أفضلها، ثم أخذ نجم كوريا الجنوبية بالسطوع، وتلتها ماليزيا، لكنها لم تستمر في ذلك الزخم الكبير والسريع الذي بدأت به، ومثلها البرازيل، وجنوب أفريقيا في فترة من الزمن، وحتى رواندا كادت ان تدفع بطفرة نمو كبيرة لكن مسيرتها أخذت في التباطؤ، واليوم الهند تعيش بداية مرحلة نمو من المتوقع لها أن تكون كبيرة، وتبقى الصين أنموذجا واضحاً للطفرة الإقتصادية الهائلة، وكان من حسن طالعي أن شاهدت بداية مرحلة ذلك النمو المذهل عندما كنت أعمل هناك عام ألفين ميلادي، وما بعده لمدة أكثر من أربع سنوات، ويبقى أن نقول إن الأمل يحدونا أن نشاهد دولة باكستان الشقيقة تأخذ نصيبها من الطفرات فهي مهيأة علمياً مع توفر الموارد والعمالة الماهرة والقوية.
واليوم نشهد طفرة نمو اقتصادي كبيرة في المملكة العربية السعودية، تم قطاف بعضها، والبعض الآخر من المتوقع أن يكون ثمره غزير عند إيناعه، وقد تم تهيئة السبل لجعلها نهضة مستدامة في ظل استقرار سياسي، مع توفر الأمن والموارد اللازمة للوصول بالاقتصاد إلى مستويات عالية، ولا شك أن للشباب والشابات السعوديات مساهمات سخية ومستمرة، مع تجهيز العنصر البشري بسلاح العلم والتدريب العملي والميداني، بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين.