خالد بن حمد المالك
منذ انتهاء حكم الرئيس معمر القذافي الذي امتد لعقود وليبيا في حالة من عدم الاستقرار، وهناك دول تشعل فتيل الخلافات والصراعات بين الليبيين، وتتدخل في شؤونها الداخلية، مستغلة الأوضاع غير المستقرة في البلاد، ولا من أحد من الليبيين تنبه إلى خطورة هذا التدخل، ومساسه بأمن البلاد، وتعريض ليبيا للخطر.
* *
جرت مؤخراً الانتخابات لاختيار رئيس للحكومة خلفاً للرئيس المنتهية ولايته، وما إن فاز من فاز حتى ظهر منافسه المتأخر عنه بصوت واحد معترضاً ومشككاً بصحة الانتخابات ونزاهتها إلى أن حكمت المحكمة بأن نتيجة التصويت كانت عادلة ونزيهة.
* *
هنا تحرك رئيس الحكومة المنتهية فترته، وأعلن عدم قبوله هو الآخر بنتيجة الانتخابات، وأنها مسيَّسة، ولا قيمة لها، متمسكاً بموقعه رئيساً للحكومة، وزاد على ذلك بإعلان احتجاجه على قيام رئيس الحكومة المنتخب بزيارة لمصر واجتماعه بالمسؤولين فيها، معلناً في تصعيد مع مصر بأن اثنين من الدبلوماسيين في سفارة مصر بطرابلس غير مرغوب فيهما، بسبب هذه الزيارة وأن عليهما مغادرة ليبيا خلال 72 ساعة.
* *
ليبيا - كما هو معروف - تدار بحكومتين وجيشين، ووزراء في هذه الحكومة وتلك، والتدخلات الأجنبية معلنة مع من هو مع هذه الحكومة أو تلك، والبرلمان أضعف من أن يفرض قراراته، ويلزم الجميع بما يتم التصويت عليه في البرلمان، وما من حيلة وعمل وإجراءات إلا وطرق أبوابها، ولكن دون أن يفرض سيادته على البلاد.
* *
وما يُخشى عليه أن ليبيا قد تتعرَّض إلى حرب أهلية، وإلى تقسيم البلاد إلى أكثر مما هي مقسمة عليه الآن، وللتدخلات الأجنبية في شؤون البلاد مصلحة للأجنبي، وخسائر لا نهاية لها لليبيين، وهو ما يجب أن يتنبه له الليبيون، ويحولوا دون تنفيذ أجندة أجنبية لا تريد الخير لليبيا والليبيين.
* *
لقد فرحنا عندما تم الاتفاق على عقد جلسة للبرلمان يتم فيها اختيار رئيس للحكومة، يتبع هذا الاختيار تشكيل حكومة تقود البلاد إلى بر الأمان، بدلاً من تهديد أمنها وسلامها واستقرارها، وتعريضها للتقسيم، غير أن ردود الفعل، ومواجهة ما تم التصويت عليه بالاعتراض وعدم الاعتراف يثير المخاوف بأن ليبيا تتجه إلى الانزلاق نحو مزيد من المشاكل والصراعات.
* *
ومما يؤسف له أن من بيدهم السلطة على أجزاء من البلاد لا يفكرون إلا بمصالحهم الضيِّقة، غير عابئين بمصالح ليبيا وشعبها الحر الأبي، وما يمكن أن تمثِّله مواقفهم من تدمير ليبيا الغنية، وحرمان مواطنيها من أبسط حقوقهم في الأمن والتنمية والحياة الحرة الكريمة، وتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية والتعليمية.
* *
وإن ما يجري في ليبيا يمس الليبيين في الصميم، ويجعل من مستقبل بلادهم في مهب الريح، ولا من متضرر غيرهم، ولا من خاسر إلا هُم، وعليهم ألا يثقوا بالتدخلات الأجنبية، أو التعاون مع من يذكي جذوة الصراع القائم بينهم، فهؤلاء لهم مصلحة في أن تكون ليبيا على هذا النحو من عدم الاستقرار، ومن إشعال نار الفتنة بين المواطنين، ومن إبقاء فرص الخلافات مستمرة، وهو ما يحتم أن يكون الليبيون على علم ووعي وفهم واستيعاب لكل هذا، فيتجنبوا هذه المؤامرات التي لم تجلب لهم إلا السوء.