د. محمد عبدالله الخازم
نبدأ بالتعريف؛ تصنف الخدمات الطبية الأكاديمية/ المستشفيات المرتبطة بالتدريب والتعليم الطبي والصحي إلى جامعية وتعليمية. الجامعية تملكها الجامعات وتدار عن طريقها، بينما التعليمية تتولى الأدوار التعليمية ولا يشترط أن يكون ملكا للجامعة. لا يوجد نموذج عالمي موحد، فعلى سبيل المثال، المستشفيات الجامعية أكثر انتشارا في أمريكا، بينما التعليمية هي الأساس في كندا، ولكل إيجابياته. في المملكة، الجامعات الأول لديها مستشفياتها الجامعية لكن الحديثة تعتمد على مستشفيات قطاعات أخرى مثل الصحة أو العسكري اوغيرهما، كل حسب منطقته ومدينته. بمعنى أنه يوجد لدينا أكثر من نموذج.
منظومة الخدمات الصحية الأكاديمية أعمدتها الرئيسة ثلاثة؛ 1) كلية الطب (والكليات الصحية الأخرى)، 2) الكادر البشري - أعضاء هيئة التدريس/ الأطباء، 3) المستشفى. كيف تتشكل العلاقة بين هذه الأضلاع الثلاثة هو ما يحدد نوعية الممارسة وطبيعة حوكمتها وتمويلها وبالتالي جودة مخرجاتها وكفاءة تشغيلها. المستشفيات الجامعية، في غالبها، مرجعيتها كليات الطب وتعاني ضعف حوكمتها وخلط المفهوم الأكاديمي مع المهني، وهذا موضوع كررت الكتابة عنه (منذ عام 1998م) بضرورة الفصل بين الأكاديمي والمهني أو بين كلية الطب والمستشفى. سأتجاوز هذا الأمر الآن، هناك من بدء هذا التوجه ومع التوجهات الوطنية نحو التأمين وتخصيص القطاع الصحي سيسير البقية في هذا الاتجاه، عندما تحكمهم مجالس إدارات تفرض ضوابطها المالية والتنظيمية والمهنية...
سأركز هنا، على الحلقة الأضعف في منظومة الخدمات الصحية الأكاديمية، ألا وهي غياب أو تواضع النظام التشريعي القانوني الواضح للعمل المهني للطبيب/ الممارس الصحي الأكاديمي أو ما اسميناه أعلاه بألية تشكل العلاقة بين الأعمدة الرئيسة الثلاثة؛ المستشفى، الكلية، الممارس. حاليا، يتم الأمر وفق طرق معاييرها القانونية والمهنية متواضعة بشكل كبير؛ لا يستفاد من الأطباء في جامعاتهم بشكل مثالي، يعاني الطلاب في التدريب وهناك ثغرات قانونية واضحة في مجال الحفاظ على حقوق المرضى وحقوق الممارسين...الخ.
التطوير قد يعوقه تعارض المصالح للمعنين. لا أحد يريد نظاما يقيده أو يحاسبه، لذلك لا أتوقع مبادرة أطباء الجامعات في هذا الشأن، بل أتوقع مقاومتهم للتغيير. وزارة الصحة تخشى ترتب أمور مالية على ذلك، والقطاع الخاص سعيد بتوظيف الأطباء الأكاديميين بأقل التكاليف (لم يدربهم ولم يبعثهم ولا يدفع تقاعدهم ولا تأمينهم ويشغلهم بالنسبة ويستغني عنهم متى أراد، لذلك هم يحققون الأرباح الكبرى للقطاع الخاص بأقل التكاليف الممكنة)، وإدارات الجامعات مضطرة للتعايش معه - رغم مرارته - لأنها محكومة ببيئة تنظيمية تحد من صلاحياتها وقدراتها في هذا الشأن.
المطلوب هو نظام ممارسة يحدد الالتزامات والواجبات والحقوق، المهنية والأخلاقية والإدارية والمادية الملزمة لمختلف الأطراف. نظام يسهل ويقنن عمل منسوبي الجامعات في مختلف المستشفيات - جامعية، حكومية، أهلية - بما يحفظ حقوق المرضى وسلامتهم، ويكفل حقوق وواجبات الممارسين، ويحقق تطلعات مقدم الخدمة وفق آليات مهنية وقانونية ومالية وإدارية واضحة. الفكرة التقليدية؛ «أحضر خطاب لتعمل خارج جامعتك» أو العزف على وتر بدل التفرغ، أو العمل (بالباطن) كأن الطبيب عمالة هاربة من جامعته، يجب تجاوزها عبر تأسيس أنظمة حديثة مقننة بعقود وحوكمة قانونية ومالية وتنظيمية واضحة للجميع. النظام سيفيد حتى خارج القطاع الأكاديمي، بتمكين الأطباء من العمل في أكثر من قطاع واحد.
الخلاصة: لأجل سلامة الممارسة وحقوق الجميع؛ مرضى وممارسين ومؤسسات صحية ومجتمعا؛ نحتاج تنظيم/ قانون واضح في هذا الشأن، يستفيد من التجارب العالمية ويصوغه صناع السياسات والأنظمة. ترى من يبادر فيعلق الجرس؛ مجلس الخدمات الصحية، مجلس شؤون الجامعات، هيئة التخصصات الصحية، القطاعات الصحية، أم غيرهم...؟!