رمضان جريدي العنزي
صورني وأنا أتبرع، صورني وأنا أعطي، صورني وأنا أكرم، صورني وأنا أهلل وأرحب، صورني وأنا أحفر بئرا، صورني وأنا بالمقبرة أشارك بالدفن، صورني وأنا أعزي أهل المتوفى، صورني وأنا أدخل الحفل وهم يستقبلونني، صورني وأنا أتميلح، صورني وأنا ألقي كلمة، صورني وأنا أطبخ، صورني، صورني، صورني، منذ دخلت علينا وسائل التواصل الاجتماعي، أقبل عليها البعض من الباحثين عن الشهرة والمصابين بحب الظهور والاستعراض والمباهاة بشراهة كبيرة لا حدود لها، بعيداً عن العقل والمنطق والدين والعرف، الأدهى والأمر النشر اليومي المفتوح على كل شيء في حياة الأسرة وتفاصيلها، من النوم والصحو والأكل والشرب واللبس وإفشاء الأسرار والعلاقات، إن التطبيقات الذكية قد كشفت المستور، وأبانت الناس على حقائقهم، وعكست قيمهم الفعلية، وأسقطت الأقنعة المزيفة، والرداءات البراقة، لقد دب الاستعراض وحب الظهور على مختلف أشكاله وألوانه دبيب النمل، حتى في عمل الخير وصدقة السر، لقد بالغ هؤلاء لدرجة التطرف في المباهاة والتفاخر، لقد بلغوا في صناعة التفاهة مبلغاً كبيراً، لقد أصبح وضع هؤلاء غير صحي، ويهدد منظومة القيم الاجتماعية، كونهم في سباق محموم يتنافسون ويتسابقون في إظهار وتسويق الذات، حتى أصبح شغلهم الشاغل الظهور بأي كيفية وبأي تفاهة، إن مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف أنواعها تنقل لنا يومياً مشاهد هياط متعددة أسوأها ما يتعلق بتسويق الذات والغلو في إظهارها وإبرازها، من مبدأ أنا أهياط إذاً أنا موجود!، إن قيمة الإنسان ليست في استعراضاته وهياطه وكثرة تصويره لنفسه ونشر مقاطعه، بقدر ما هي في قيمه الدينية والأخلاقية والإنسانية السامية، إضافة لعلمه وحكمته وإنتاجه وعطائه ومدى إسهامه في تنمية الوطن والأسرة والمجتمع، رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تحذر من الافتتان بالنفس، وحب الشهرة، منها قوله: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)، وقوله: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة)، وقوله: (إن الله يحب من عباده الأنقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة).