د. تنيضب الفايدي
اشتهرت خيبر بعدة أودية، منها: وادي مرحب، وادي الغرس، وادي النطاة، وادي الكتيبة، ووادي خاض، أما وادي الرجيع فهو يقع شمال خيبر، والرجيع على وزن فعيل، ورجيع الشيء: رديئه، والرجيع: الرّوث، وكل شيء يردّ فهو رجيع؛ لأن معناه مرجوع، اتخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وادي الرجيع مقراً للقيادة أثناء غزوة خيبر الفتح الذي سرّ به الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد مكث في هذا الوادي ما يقارب عشرين يوماً، وهو وادٍ لازال معروفاً بهذا الاسم، ليحول بين غطفان ويهود خيبر حتى لا يقدروا على مساعدة يهود خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد عانى الإسلام في بدايته من تأليب القبائل واليهود دائماً ضد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فقد شاركوا الأحزاب في غزوة الخندق بالمدينة المنورة ضد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا غزوة ذات الرقاع، وغزوة ذي أمَر، وغزوة الغابة، وغزوة خيبر كلها كانت ضد غطفان إضافة إلى مجموعة من السرايا. وفي غزوة خيبر كانوا مظاهرين على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحال -صلى الله عليه وسلم- بين أهل خيبر وغطفان وذلك باتخاذه -صلى الله عليه وسلم- وادي الرجيع مقراً أثناء الغزوة، ومع يهود خيبر قبيلة فزارة حيث كانت ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم، فراسلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عليهم ولكم من خيبر كذا وكذا فأبوا، لذا كانت هذه القبيلة (غطفان) وفزارة مناوئة للرسول- صلى الله عليه وسلم- ومظاهرة عليه قبل نتائج غزوة خيبر.
وذكر ابن إسحاق في غزاة خيبر أنه عليه الصلاة والسلام، حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عِصْرٍ فبني له فيها مسجدا ثم على الصهباء ثم أقبل حتى نزل بوادٍ يقال له الرجيع فنزل بينهم وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر فعسكر به.، وكان يراوح لقتال خيبر منه، وخلف الثَّقَل والنساء والجرحى بالرجيع.
وحينما خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، وصل أولاً الصهباء واتخذها مقراً وهي مكان قريب من خيبر و(الصهباء سلسلة جبلية تطل على خيبر من الجنوب الغربي وانتقلت إليها حالياً خيبر الجديدة) حيث صلّى هناك فبني له في مصلاه مسجد يسمى لاحقاً مسجد الصهباء، حيث ذكر الإمام السمهودي في تاريخه وفاء الوفا (3/ 425): من مساجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد اندثرت آثار المسجد قريباً، (وقاسها الكاتب: ثلاثة أكيال تقريباً) من خيبر (القديمة)، صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العصر هناك وأكل هو والصحابة ما كان معه من السويق، ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى بالصحابة ولم يتوضأ. فعن سويد بن النعمان -رضي الله عنه- أنه خرج مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء - وهي أدنى خيبر- نزل فصلى العصر ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ. رواه البخاري.
وقد أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عباد بن بشر -رضي الله عنه- في سرية استطلاعية لمعرفة حركات يهود خيبر، ثم غادر الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الموقع لقربه من الحصون إلى واد شمال خيبر واتخذه مقراً يقال له وادي الرجيع فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر. المغازي للواقدي (2/ 640)
وفي رواية أن الحباب بن المنذر أتاه -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله، أم هو الرأي في الحرب؟ قال: « بل هو الرأي»، فقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل قريب جداً من حصن نطاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لاندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لاتصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضاً هذا بين النخل، ومكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكراً. قال- صلى الله عليه وسلم-: «الرأي ما أشرت» ثم تحول إلى مكان آخر.
وقد روى ابن سعد في خبر استشهاد عامر بن الأكوع في خيبر:» فحمل إلى الرجيع فقبر مع محمود بن مسلمة في قبر في غار بالرجيع». ويلاحظ كثرة الغيران والكهوف بالحرار التي تحيط بوادي الرجيع بخيبر. خيبر للدكتور/ تنيضب الفايدي (ص64).
وكانت نتيجة الغزوة أن اليهود قد هربوا إلى حصونهم وأغلقوها دونهم فحاصرهم المسلمون، وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون اليهود فواجهوا مقاومة شديدة من قبل اليهود واستمر القتال العنيف المريرحول الحصون، وسقطت حصناً حصناً بدءاً بحصن ناعم، ثم حصن الصعب بن معاذ ثم حصن أبي النزار ثم حصن القموص ثم حصن ابن أبي الحقيق ثم حصن الوطيح والسلالم وهما آخر حصون خيبر افتتاحاً.
وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيه خمسة حصون: حصن ناعم، حصن الصعب بن معاذ، حصن قلعة الزبير، حصن أبي، حصن النزار، والحصون الثلاثة الأولى تقع في منطقة يقال لها (النطاة)، وأما الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمى الشق.
أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون: حصن القموص، حصن الوطيح، وحصن السلالم. وهناك قلاعٌ وحصون أخرى في خيبر ولكن كانت صغيرة ولا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعها وقوتها.
وهناك مكان آخر بنفس المسمى (الرجيع)، وهو ماء لهذيل لبني لحيان بأسفل الهدة، شمال مكة، بين مكة وعُسفان وهو أقرب إلى عُسفان، يعرف اليوم بالوطية، تراه من كراع الغميم شمالاً عدلاً بصفن حرّة الجابرية، قال ابن حجر في فتح الباري (7/ 279): «الرجيع بفتح الراء وكسر الجيم، هو في الأصل الرّوث، سمي بذلك لاستحالته، والمراد هنا اسم موضع من بلاد هذيل، كانت الوقعة بقربه فسميت به».
- يتبع