عبده الأسمري
راهن على قدراته واستعصم بمقدراته فكانت تحت إدارته تباعاً أربع سفارات وعشرات «المناصب» المدورة التي كان فيها «محور ارتكاز» قطع «المفازات» واجتاز «المسافات» رافعاً راية «اليقين» ومحققاً غاية «التمكين».
استنزل «الصعاب» ونازل «الغربة» وواجه «الاغتراب» بعد أن امتلك «السر المهني» الذي وزع به غنائم «البر الوطني» في رحلات انعتقت من حدود «الجغرافيا» وعانقت صمود «التاريخ».
ما بين مهام «السياسة» والهام «الكياسة» ركض بأنفاس أصيلة في دروب «الخارجية» ممتطياً صهوة «المهمات» الصعبة محلقاً فوق «تضاريس» القارات بقوة القرار وحظوة الاعتبار.
إنه رجل الدبلوماسية الأصيل السفير عصام عابد الثقفي أحد أبرز السفراء في سجلات الوطن.
بوجه حجازي وسيم المحيا باهي الحضور زاهي التواجد مسكون بالألفة و»تقاسيم» مكاوية شبيهة بوالديه متشابهة مع أخواله وعينين لامعتين تتوارد منها نظرات الحنكة ولمحات الحكمة وأناقة وطنية زاهية تعتمر الزي الوطني وصوت مزيج من لكنة حجازية ولغة محورية تنطلق من «مخزون» عامر بالأثر و»مكنون» غامر بالتأثير وعبارات سياسية فريدة واعتبارات ديبلوماسية سديدة وخبرة عريضة قوامها «الخبرة» ومقامها «المكانة» قضى الثقفي من عمره عقود وهو يملأ الاجتماعات وطاولة التوصيات وميادين السياسة ببراهين «التمكن» ومضامين «التيقن» ويضيف إلى رصيد «الشؤون الخارجية» أرقاما صحيحة من التفوق وأعدادا مؤكدة من التميز ديبلوماسياً وسفيراً رجح «كفة» الفارق في ميادين «التكليف» وعناوين «التشريف» ليكون أحد الأعمدة الرأسية التي حملت «صروح» التمثيل السياسي المبهج بواقع «الإنجاز» ووقع «الاعتزاز».
في مكة المكرمة أطهر بقاع الدنيا والباذخة بزف رجال الدولة إلى أعراس «العلا» ولد في ليلة ربيعية في غرة شهر صفر عام 1958 وانطلقت في منزل والده «التاجر الحجازي والمطوف العتيق» الأهازيج «المكية» والمجسات الحية التي تردد صداها في آفاق الأحياء المتجاورة والمنازل العتيقة المكتظة بأنفاس الطيبين وذكريات الأولين.
تفتحت عيناه على والد كريم اشتهر بالوجاهة بين قومه وبالنباهة وسط زملائه حيث امتهن العمل في صياغة «الفضة» والطوافة للحجاج الليبيين وأم كريمة سليلة كرام وحظي بعناية كريمة من أبوين سخرا وقتهما لرعاية أبنائهما وكان ترتيبه ما قبل «الأخير» ضمن عقد أحد عشر أخا وأختا كانوا يمثلون تعداد «الأسرة المباركة» المشهود لها بالفلاح والصلاح.
امتلأ قلبه بموجبات تربية سامية من والده الذي كان حريصاً على تعليم أبنائه علوم الدين ومعارف الحياة وارتهن لصدى دعوات «مباركة» من والدته أضاءت له دروب «الطفولة» و»مسارب النشأة» بضياء الدعاء وإمضاء الابتهال فكبر في أحضان «سكينة» منفردة غمرت وجدانه بمكارم «الأخلاق» وفضائل «السلوك».
ركض عصام مع أقرانه بين أحياء الحجون وشعب عامر والشامية متنفساً بركات «البكور» في نداءات «العابرين» ومنتشياً نسمات «البخور» وسط مرابع الطيبين.
وأنصت صغيراً للألحان السماوية التي عطرت أسماعه أثناء توجهه للحرم المكي الشريف وتعتقت نفسه بأنفاس «الروحانية» وسط صحن الطواف وأمام الحجر الأسود وتعتقت روحه بنفائس «الطمأنينة» حول الحطيم ومقام سيدنا إبراهيم فانخطف إلى «تربية إيمانية» تسربت إلى أعماقه لتتشكل شخصيته «المفعمة» برياحين «الضياء» والتي كانت بمثابة «النبراس» الذي أنار له «محطات» العمر بمشاعل «النور» وقناديل «التنوير».
أطلق أحلامه في آفاق «الوقائع» على مرأى ومسمع والديه وظل يرتهن إلى حكايات «الفالحين» من وجهاء الحجاز وقامات أم القرى وظل صغيراً يكتب في كشكوله الخاص «مدونات» الأماني بحبر العفوية وجبر البراءة مرتباً «مواعيد» الغد على أسوار «التمني» بنفس طموحة وروح طامحة تنظر إلى المستقبل بمجهر «التأكيد».
أتم الثقفي دراسته بنجاح في مدارس الفلاح الشهيرة وأعلن خطوبته المبكرة على «رفيقة دربه وانتقل للدراسة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة والتحق بقسم الإعلام وسكن في منزلهم بحي البغدادية مع أحد إخوته وتخصص في «العلاقات العامة» وتزوج وعاش واضعاً عيناً على أسرته الصغيرة والأخرى على مستقبله «المنتظر» والتحق بالعمل في وزارة الخارجية عام 1401 ولأنه مشبع بأمنيات كبيرة ظل في «سباق» مع بعد نظره حيث واصل دراسته في مجال عمله الذي أحبه حيث التحق بدبلوم الدراسات الدبلوماسية وانتقل للعمل في فرع وزارة الخارجية بالرياض عام 1405 في محطة جديدة..
واختير في مهمة دبلوماسية حيث طار إلى مدينة «طهران» بإيران وأتمها بنجاح الأمر الذي أسهم في ترقيته بمجال عمله حيث تم إيفاده إلى دولة المكسيك والتي كانت إحدى أهم محطاته المبكرة التي عانق فيها أجواء الدبلوماسية وواجه معترك السياسة وتم تعيينه بعدها كقائم بأعمال السفارة لمدة عام ونصف ثم عاد إلى الرياض عام 1989 وتولى مسؤولية ملف أمريكا اللاتينية في الوزارة وفي عام 1991 تم تكليفه بالقيام بأعمال السفارة مؤقتاً في البرازيل وفنزويلا وفي عام 1993 استلم الملف الروسي في الوزارة وفي عام 1996 عمل في اللجنة التحضيرية في لاهاي في إدارة المنظمات الدولية ثم التحق بعدها للعمل كمستشار في السفارة السعودية في واشنطن.
ثم صدر القرار بتعيينه سفيراً للسعودية في بروناي وأمضى فيها سنوات وكانت بمثابة تجربة متميزة له وسجل فيها «نجاحات» باهرة اقتضت الاستعانة بخبراته وكفاءته في موقع آخر حيث تم تعيينه عام 2006 سفيراً للسعودية لدى دولة «الأرجنتين» ثم عين بعدها سفيراً لدى دولة «النرويج «وأمضى فيها أعواما تكللت بالتميز ثم استدعته الثقة الملكية ليكون سفيراً للسعودية لدى دولة إندونيسيا وقضى فيها سنوات حتى تقاعد من العمل بعد «عقود» مضيئة بالمنجزات كانت صامدة أمام «التحديات» وشاهدة على «المنجزات» والتي اقترنت باسمه كسفير للمهمات المتنوعة والتي تتطلب «الخبرات» المشفوعة بالمهارة والجدارة والتي كان أهلاً لها في محطات متعاقبة من العمل الدبلوماسي المبارك والذي خدم فيه دينه وقيادته ووطنه وكان خير ممثل للوطن في تلك الدول والمحافل.
أصدر الثقفي كتابين هما «سفير بين قطبين» و»سفير في بلاد الارخبيل» اللذين وثقا لسيرته ومواقفه ووقفاته وذكرياته منذ ولادته وحتى ترجله كفارس أصيل ملأ «آفاق» السمعة بجمال السيرة وجميل المسيرة.
محطات عاطرة بالإضاءات السياسية والإمضاءات الدبلوماسية قضاها الثقفي في الخارجية السعودية والتي كان فيها سفيراً برتبة «فارس» ودبلوماسياً بمرتبة «خبير» نال فيها أحقية «الثقة» وحصد خلالها أسبقية «الوثوق» فكان ابن الوزارة «البار» ووجه التمثيل الخارجي»السار» الذي أهدى للوطن «بشائر» الأمانة و»تباشير» الإخلاص» وظل نموذجاً للعمل الدؤوب والنجاح المتواصل الذي اقترن باسمه وتقارن مع سمعته.
عصام عابد الثقفي.. السفير القدير عقل السياسة الخارجية صاحب المسيرة المضيئة بالعطاء والسيرة الساطعة بالسخاء في شؤون «المسؤولية» ومتون «الدبلوماسية».