فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
تذكرت هذا الحدث ونحن نتحدث عن يوم الشباب، حاولنا في الماضي، وكم كان بودي أن يستمر لكني تركت الوزارة، وكانت هذه الكلمة مني آنذاك حين كان لنا اجتماع في يوم الشباب.
الإخوة والأخوات.. الأبناء والبنات.. نجتمع اليوم على بعد مسافة قريبة جداً من مدينة مولد المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، مكة المكرمة مهبط الوحي الإلهي، التي انبثقت منها رسالة الإسلام الخالدة جامعة وخاتمة الرسائل السماوية، رسالة المحبة والسلام، الرسالة التي تدعو إلى التقارب والتعارف والتآلف وقبول الآخر.
قبل خمسة عشر قرناً وجه القرآن الكريم خطابه إلى الإنسانية جمعاء، وذكرهم برسالة سامية كبرى حيث جاء في القرآن الكريم: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
إن لقاء هذا اليوم وأنتم تمثلون مختلف الشعوب والأديان والثقافات ينسجم مع الدعوة القرآنية الخالدة.
ومن منطلق هذه الدعوة، وبحكم احتضان المملكة بشرف كبير لمواقع المقدسات الإسلامية فإنها أخذت على عاتقها العمل جاهدة للتفاهم والتقارب بين مذاهب الإسلام أولاً، وبين أتباع الأديان والثقافات على اختلاف مواقعها الجغرافية على هذه الأرض.
يقود هذا التوجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية الذي تبنى تحقيق رسالة الإسلام العالمية المتمثلة في العمل على تحقيق السلام في العالم ونشر ثقافة التعاون والحوار لمزيد من التفاهم بين الشعوب.
لقد حول الملك عبدالله هذه الأفكار من التنظير إلى التطبيق، ومن القول إلى الفعل عبر دعمه لكثير من المبادرات المحلية والعالمية التي تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف. ونحن اليوم نجتمع ضمن برنامج الملك عبدالله لحوار الثقافات في المنظمة الدولية اليونسكو. وكم يسعدني حضور معالي السيدة إيرينا بوكوفا مدير عام المنظمة، وأغتنم هذه المناسبة لكي أوجه لها التهنئة باسمكم جميعاً لانتخابها مديراً عاماً للمنظمة لدورة أخرى.
وفي إطار جهود المملكة وقيادتها وعملها الدؤوب لتأكيد الحوار والتعايش والعمل التطوعي، يمكن الإشارة إلى بعض المشاريع ذات البعد الدولي والتي تسير ضمن هذا التوجه وتتسق مع رؤية خادم الحرمين الشريفين.
أحد هذه المشاريع يتمثل في تأسيس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي ستزورونها غداً، وهي جامعة بحوث علمية تقدم منحاً دراسية مجانية لطلاب وطالبات ينتمون إلى أكثر من ستين جنسية من مختلف الأديان والثقافات، يتعلمون ويبحثون معاً لحل المشكلات المشتركة التي عانى منها عالمنا، ومن أبرزها الفقر ونقص الغذاء، وتوفير مصادر بديلة للطاقة، ومعالجة الأزمات الملحة المتعلقة بتوفير المياه والمشكلات البيئية التي تهدد مستقبل الأجيال الحالية والقادمة.
ومن المبادرات النوعية برنامج رسل السلام وقد انطلقت فكرته خلال لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بوفد الكشافة العالمي حين قال لهم «أنتم رسل السلام»، فتم التقاط هذه الكلمة وتحولت إلى مشروع كبير تحمس له جلالة ملك السويد كارل قوستاف السادس عشر الرئيس الفخري للصندوق الكشفي العالمي، وتم إطلاق هذا البرنامج بشكل رسمي في سبتمبر 2011، وهو موجه إلى ما يقارب العشرين مليوناً من الفتيان والفتيات يتواصلون فيما بينهم من خلال العمل التطوعي والحوار ويتبادلون ممارساتهم وتأملاتهم ضمن البعد الشخصي والاجتماعي والبيئي.
وخلال عمره القصير ومنذ انطلاقة البرنامج وتدشينه من حرم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بمشاركة 4500 فتى وفتاة من أكثر من ثمانين دولة يمثلون ثقافات وأديان متعددة، حيث يتم تأصيل الحوار الثقافي وأسسه التاريخية والعلمية، ودوره في قراءة وتحليل المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، وتعزيز الدور المنوط بالشباب في نشر قيم السلام والتعايش والتعاون. فقد وثق أكثر من واحد وعشرين مليون ساعة عمل تجمع بين العمل التطوعي والحوار لمساعدة الآخر.
وفي هذا الصدد أدعوكم جميعاً للانضمام إلى هذا البرنامج وتفعيله في دولكم حيث يتناغم بشكل مباشر مع هذا المؤتمر، وتدعمه وزارة التربية والتعليم بشكل كبير. رسل السلام برنامج يقوم على العمل التطوعي للمساعدة في تنمية الإنسان والمكان، ويتخذ من الحوار أسلوب عمل له في جميع أنشطته.
وشعار هذا البرنامج حمامة محلقة جسدها الحرف العربي، تحمل غصن زيتون لتنشر السلام والوئام والتنمية في كافة الدول.
أما أهم هذه المشاريع فهو مركز الملك عبدالله لحوار الأديان والثقافات في فينا الذي أطلقته المملكة العربية السعودية بمشاركة مملكة إسبانيا وجمهورية النمسا.
وأجزم أن معالي الأمين العام معالي الأستاذ فيصل بن معمر سيتحدث عن مهام هذا المركز ورسالته. وكم كنت سعيداً بحضوري أواخر الشهر الماضي لواحدة من فعالياته ناقشت موضوع «صورة الآخر»، وطرحت وزارة التربية والتعليم خلاله مبادرة تتمثل في العمل على بناء إطار عملي لدراسة المناهج التعليمية؛ بهدف إبراز المشتركات الحضارية بين الدول والأمم من أجل إيجاد عالم متصالح شعاره التسامح والسلام.
نحن في المملكة العربية السعودية يمثل الشباب النسبة الأكبر من السكان، ولدينا القناعة الراسخة أنهم صانعوا المستقبل، وسنمنحهم مزيداً من الفرص لإبراز مواهبهم وطاقاتهم تحقيقاً لرؤيتهم الأكثر طموحاً والأكبر رسوخاً والأطول استدامة، خصوصاً إذا ارتكزت على أسس علمية ووعي عميق وفهم دقيق لمتطلبات الحياة،
واستفادت من خبرة وحكمة من سبقوهم بالتجربة، فإن هذا الجيل - بإذن الله - قادر على تحقيق ما نصبو إليه جميعاً.
شكراً أصحاب المعالي والسعادة ممثلي المنظمات الدولية، وكافة الشباب الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم إيماناً منهم وقناعة بأهمية العمل المشترك بين شباب العالم.
وأدعو وإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي من الشباب السعودي إلى تقديم كافة التسهيلات لضيوفنا لتحقيق أهداف هذا اللقاء بالتعاون البناء لخدمة مجتمعاتنا وتنمية أوطاننا.
وسلام الله عليكم جميعاً ورحمته وبركاته