عبدالله إبراهيم الكعيد
مُنذ أن خلق الله الإنسان وهو في حلٍ وترحال. لا يحد تنقله حدود ولا تمنعه عوائق. يبحث عن المكان الذي يجد فيه متطلبات حياته وتتوافر فيه عوامل الاستقرار وحين يجده يتخذه موطناً له، ومن هنا بدأت المجتمعات بالتكون والتشكل، فنشأت تبعاً لذلك البلدان والأقطار المختلفة.
وبالنظر إلى اتساع هذا الكوكب واختلاف جغرافيته اختلف إنسان كل بقعة فيه عن الآخر، ولكن رغم هذا الاختلاف جمع أولئك البشر مشتركات محددة أبرزها وأهمها الاشتراك في الخلق والوجود، ثم يأتي بعد ذلك الاشتراك في المصالح واعمار الأرض وتبادل المنافع.
بالطبع لا يمكن القول ان البشر أقرب إلى التشابه في مناشط الحياة المختلفة، فعلى الرغم من المشتركات الإنسانية التي تجمعهم الا أن هناك اختلافات وفوارق متعددة في بعض التفاصيل المتعلقة بالعلاقة مع الآخر وتقبّل ثقافته المختلفة (اللغة، المعتقد، العادات، التقاليد، تكوين الأسرة، الخ) وهذه الاختلافات يفترض ألا تفرّق الناس ولا تغرقهم في بحور العزلة بقدر ما تُنظّمهم وتُؤلف بينهم. «الناس لو كانوا متشابهين تماماً لما أمكن جمعهم إلاّ في قطيع» حسب قول الروائي البير كامي الحائز على جائزة نوبل للأدب.
ما يهمنا هُنا هو التأكيد على أهمية ابراز المشتركات الإنسانية التي تجمع معظم البشر وتدفع بهم إلى الانفتاح بعضهم على بعض. وأكاد أجزم بأن المشتركات الثقافية هي القادرة على الاستجابة للمشترك الإنساني فلا يمكن اغفال دور الفنون بصفة عامة (التشكيل، الموسيقى، الغناء، الرقص، تذوق الشعر وغيرها) تلك المناشط التي لا تخضع لسلطة سياسي ولا حارس حدود.
كان لكاتب هذه السطور شرف المشاركة في اللقاء الخامس للحوار الذي نظّمه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني تحت عنوان (نحن والآخر: رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات العالمية) والذي خرج (أي اللقاء) باقتراح رؤية وطنية شاملة لأسس التعامل مع الآخر المختلف. كان المرتكز الرئيس لتلك الرؤية هو المشترك الإنساني الذي بموجبه كانت وحدة الجنس البشري الذي يجمعهم أخوّة النسب برجوع كل البشر إلى أبيهم آدم.
علي أي حال نحن هنا في بلادنا المترامية الأطراف نملك ولله الحمد والشكر تنوعاً مذهبيّاً وفكرياً وثقافياً واجتماعيا ثرياً؛ الأمر الذي سهّل على مجتمعنا بكافة أطيافه قبول اندماج الآخر المختلف الذي وفد إلينا من كافة جهات الأرض الأصليّة منها والفرعية للعمل، فتعايش أولئك الوافدون على اختلاف أعراقهم ودياناتهم وجنسياتهم وحتى لغاتهم بكل سلام ووئام يحتويهم وطن يؤمن أهله بالمشتركات الإنسانية التي خلق الله الناس عليها.