إبراهيم الصافي
شحذ د. محمد بن عبدالله الخازم قلمه، واستدعى تفاصيل تجربة إدارية وأكاديمية في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية بوزارة الحرس الوطني محورها الأستاذ الدكتور يوسف بن عبدالله العيسى بمناسبة تقاعده بعد مسيرة طويلة في التعليم الجامعي، وأودعها زاويته المحببة (نقطة ضوء) بصحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ 27 مايو 2024م.
وبحسب اقترابي من الرجل خلال عملي بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية؛ فقد كتبت ذات مرة: «بروف العيسى حالة خاصة، محور قائم بذاته، شخص متفوق على ذاته، طموحاته وتطلعاته، عمق إيمانه بأهدافه وغاياته؛ كل ذلك منح رؤاه الأولوية على رؤى غيره، وهو في هذه الحالة أشبه بالنحات الذي يخشى أن وضع الإزميل في يدٍ مساعدة؛ لتشوَّه العمل؛ ولتباطأ الإنجاز، ولأعاد مراحل المشروع إلى بداياتها».
اختلاف الخازم مع أي جهة - كما عهدناه - لا يعني مخاصمتها أو عداءها، وإنما هو اختلاف محبة؛ بل فكر علمي لإسناد وتعزيز التميز، وتنبيه واستدراك لأي هنات أو إخفاقات بصفته مفكرًا وإعلاميًّا وناقدًا ذا باع طويل في (فلفلة) أي مشروع يحظى باهتمام المواطنين. أنصف الخازم بروف العيسى حين جرى مداده بهذه الكلمات الصادقة: «لم يكن مجرد وكيل جامعة قائمة وفق تنظيمات واضحة؛ إنما قائد للعمليات التأسيسية، عمل بكل جهد وتفان لمتابعة مراحل تأسيس وبناء صرح جامعي بدأ من الصفر وسط بيئة إدارية تنافسية معقدة التركيب، بتعدد أنظمتها ومرجعياتها. بمعنى آخر، فقد أشرف على تأسيس كليات الجامعة أكاديمياً وعمرانياً، لذلك يراه البعض أمراً مخلاً بوصف مهامه وإنجازاته باعتباره مجرد وكيل جامعة تقليدي للشؤون الأكاديمية، وإنما أكثر من ذلك. ارتبط اسمه بمرحلة تأسيس جامعة سعود الصحية، وبالتالي سيبقى اسمه في الذاكرة التاريخية للجامعة».
ولخَّص الخازم رؤيته التي امتدت لسنوات عدَّة بجامعة العلوم الصحية أشرف خلالها على إنشاء كلية العلوم التطبيقية، فهو يرى أن الاختلاف في شأن عام ليس مبررًا لغمط إنجازات الآخرين، فكتب: «أدب الاختلاف يفرض علينا تقدير الرجال وشكرهم حينما يكون الشكر واجباً. هذا ديدني، اختلاف الرأي لا يعني تجريد الآخر من حقه في التقدير على ما أنجزه. المحبة أمرٌ شعوريٌّ، بينما الاحترام واجب أخلاقي».
وتقديرًا للرجل الذي ترجَّل بعد أن وهب كل وقته وجهده، وحُبه وإخلاصه للجامعة؛ اقترح الخازم على معالي رئيس الجامعة أن تحمل القاعة الرئيسة بكلية الطب اسم البروفيسور يوسف العيسى؛ باعتبارها الكلية التي أولاها جل اهتمامه، وكان له فضل كبير في تأسيسها وتطويرها». ولعل البروف العيسى - في تقديري أنا - قمينٌ بتقدير أعلى - إن سمحت قوانين التعليم العالي السعودي - أي بأن يُعيَّن مستشارًا أكاديميًّا غير متفرغ لمدير الجامعة، وأن يستمر في عضوية مجلسها.
شهادة: د. محمد بن عبدالله الخازم طبيب يمارس الجراحة بالفعل، لكنها جراحة قلم لا مشرط، فهو كعادته وديدنه ناقدًا ذا رؤية ثاقبة؛ لا يقف عند الجوانب الإيجابية لأي إنجاز عام، فرديًّا كان أو جماعيًّا؛ وإنما ينفذ مُتمهِّلاً إلى (الماوراء)، اعتاد النقش بقلمه على جدار أي فعل أو عمل أو مشروع عام بهدف تزكية إيجابياته، ثم يُركز عدسة مجهرة بصورة أوسع لإظهار ما قد يشوبه أو يكتنفه من هنَّات أو سلبيات، أو خلل غير منظور، إنه يرفع الملاءة أو الغطاء سعيًا إلى تنوير المختصين المعنيين بما يمكن أن يُحدث خدشًا أو تشوُّهًا في الصورة الكُلِّية لإنجازاتهم، قلمه يشف وينصف ما يستوجب الإشادة. ويشتد في وخز ما تستبين له سلبيته، يفعل ذلك شيمة الناقد الذي يرى ما لا يراه الآخرون، يستخرجه بيانًا لنواقصه بُغية تلافيها كي يتكامل العمل أو المشروع أكاديميًّا كان أو صحيًّا أو إداريًّا أو إنشائيًّا.