بدر أبو نجم
ينظر الشهداء إلى السماء بعيون مفتحة على غير عادة وهم يحملون على أكف من يعرفهم ولا يعرفهم وسط شارع مزدحم من المشاركين والمارة، وبعض الأطفال الذين منهم من يسترق النظر إلى الشهيد من بعيد ولا يعرف سوى أنه شهيد بالمعنى الذي يختلج الطفل الفلسطيني؛ ولو سألته ماذا يعني شهيد ربما لا يعرف إلا «أن من يقتله الجيش الإسرائيلي فإنه شهيد»؛ هكذا هم الأطفال..
بعض النسوة يتحدثن قليلا مع الله بصوت النجوى مع خروج بعض الكلمات التي تخرج من شدة الحزن على المشهد دون قصد.. بعض هذه الكلمات تحتوي على مناجاة الرب للانتقام، وأخيراً بـ لا حول ولا قوة إلا بالله.. هذه الأم تتخيل ابنها في يوم من الأيام مكان هذا الشهيد.. وهي ربما لا ترغب في ذلك ليس اعتراضاً على إرادة الله ولكن اعتراضاً على عاطفة الأمومة التي لا تسمح بذلك.
الشهيد لا يشاهد هذه التفاصيل، ويبقي متشدقا بالنظر في السماء بحدة مطلقة، في حين أن بعض هؤلاء الشهداء يكون مبتسماً أثناء ذلك.. إبتسامة الشهداء الأحياء دائماً ما تلفت نظر الناس ويطمئنون لذلك، ذلك أن المسلم يعتبر أن ذلك دليل على قبول الشهيد عند ربه، وانه رأى مقعده من الجنة المنتظرة التي خلقها الرب واختص جزءا منها بالشهداء.
الشهداء لا يموتون بالمعنى الحقيقي للموت.. لكنهم ليسوا معنا جسدا، وهذه حقيقة، فلو أنهم كذلك لاحتضنوا أمهاتهم أثناء البكاء عليهم لحظة الوداع الأخير.. لكنهم يختارون عناق السماء مجدداً غير آبهين بكل مراسم التشييع الخاصة بهم، ولا حتى دموع وصرخات من يحبون.. هناك شيء ما جعلهم لا يكترثون لذلك.. السر يكمن هنا بما رأوه في السماء..