د. تنيضب الفايدي
وقال ابن إسحاق والواقدي: الرجيع ماء لهذيل قرب الهدأة بين مكة والطائف، واشتهر في التاريخ الإسلامي بسرية مرثد بن أبي مرثد حيث وقعت هذه السرية في صفر من السنة الرابعة للهجرية فقد جاء قوم من عضل وقارة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا إن فيهم مسلمين فسألوا أن يبعث معهم من يقرئهم القرآن فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم عشرة نفر منهم: عاصم بن ثابت وهو أميرهم، ومرثد بن أبي مرثد، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي بكر، وعبد الله بن طارق، ومعتب بن عبيد وغيرهم إلى الرجيع فلما كانوا بالرجيع غدروا بهم واستصرخوا عليهم هُذيلاً فجاءوا حتى أحاطوا بهم فقتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، وباعوهما بمكة فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فمكث عندهم أسيراً حتى إذا أجمعوا على قتله خرجوا به من الحرم ليقتلوه، فقال: «دعوني أن أصلّي ركعتين» فأعطوه ما أراد،ففعل، ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت» رواه البخاري. فكان أول من سن الركعتين عند القتل هو، ثم قال: «اللهم أحصِهِم عدداً واقتلهم بدداً ولاتُبقِ منهم أحداً، ثم قال:
ما إن أبالي حين أُقتَلُ مسلَماً
على أي شقٍّ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشَأ
يُبارك على أوصالِ شلْوٍ ممزَّعِ
ثم قام إليه عقبة بن الحارث وقيل: أبو سروعة وقيل: أبو ميسرة العبدري، فقتله، وقد أرادت هذيل أخذ رأس عاصم ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شُهيد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد: لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفِهِ الخمر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته، فلم يقدروا منه على شيء. فكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول حين بلغه أن الدبر منعته: «عجباً لحفظ الله العبد المؤمن! كان عاصم نذر ألا يمسه مشرك ولايمس مشركاً أبداً في حياته فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع منه في حياته». سيرة ابن هشام (3/ 255).
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه في رجيع خيبر وعسفان:
أَبلغْ بني عمروٍ بأنَّ أخاهمُ
شراهُ امرؤٌ قد كان للشَّرِّ لازما
شراهُ زهيرُ بن الأغرّ وجامعٌ
وكانا قديماً يركبان المحارما
أجرتُمْ فلمَّا أنْ أجرتُمْ غدرْتُمُ
وكنتمْ بأكناف الرجيع لهاذِما
فليتَ خُبيباً لم تخنه أمانةٌ
وليتَ خُبيباً كان بالقوم عالما
وقد قال حسان بن ثابت شعراً رائعاً في رثاء خبيب ورفقائه الكرام وأمثاله:
ما بالُ عينَيْك لاترْقا مدامعُها
سَحّاً على الصّدْر مثل اللؤلؤِ القَلِقِ
على خُبَيْبٍ فتى الفتيان قد علموا
لا فشِلٍ حين تلْقَاهُ ولا نَزِقِ
وقوله:
يا عينُ جوديْ بدمع منك منسكبِ
وابْكي خبيباً مع الفتيانِ لم يؤبِ
صقراً توسط في الأنصار منصبه
سمْحَ السجية محضاً غيرَ مؤتسِبِ
قد هاجَ عيني على عِلاَّت عَبْرتِها
إذا قيل: نُصَّ إلى جِذْعِ من الخشب
منع المقادة أن ينالوا ظهره
حتى يُجالد إنه لنجيب
وقال أبو ذؤيب الهذلي:
أصبح من أم عمرو بطن مرّفأ
جزاع الرجيع فذو سِدرٍ فأملاح
وقال أيضاً:
رأيت وأهلي بأكناف الرّجيـ
ـعِ من أرض قيلة، برقاً ملحياً
وقال حسان بن ثابت:
لحا الله لحيانَ فليست دماؤهم
بقتيلي غدرة بوفاءِ
هم قتلوا يوم الرجيع ابن حُرّة
أخا ثقةٍ في وده وصفاءِ
فلو قتلوا يوم الرجيع بأسرهم
بذي الدّبر ما كانوا له بكفاءِ
قتيلٌ حمته الدُّبر بين بيوتهم
لدى أهل كفر ظاهر وجفاءِ
وذو الدّبر: هو عاصم بن ثابت الأنصاري ويسمى حمي الدبر، أي: الذي حماه الدبر، والدبرة: حشرة أكبر من النحلة شديدة اللسع، فأرادت لحيان أن تحتز رأسه لتبيعه على كفار قريش ببعض قتلاهم يوم بدر، فحماه الدبر حتى سال الوادي فاجترف جثته، ولذلك يقول الأحوص مفتخراً:
أنا ابن الذي حمت لحمه الدّبر
قتيلُ لحيان يوم الرّجيع
أما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، أمية بن خلف، وعندما أخرجوه من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه، اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان، فقال أبو سفيان حين قدم ليقتل: « أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضربُ عنقه، وأنك في أهلك؟ قال: «والله ما أحبُّ أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبُه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: «ما رأيت من الناس أحداً يحبُّ أحداً كحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتله نسطاس مولى صفوان.
لما قتل أصحاب الرجيع، قال ناس من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا، لا هم أقاموا في أهلهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم، فأنزل الله فيهم آية {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} سورة البقرة (207). قال أحد المؤرخين: «ويعرف الرجيع اليوم بالوطيّة (الوطأة) هو ماء شرق عسفان يسار الخارج من عسفان إلى مكة، يفرق طريقه على 13 كيلاً من عسفان، ويبعد عن الطريق قرابة سبعة أكيال في لحف حرّة الجابرية، ماء دائم لايغور، تكرعه الإبل بأعناقها، ويغترف منه الوارد بالمغاريف».
هذه المواضيع لها تاريخ عظيم حيث ترتبط بها أحداث تاريخية تتعلق بسيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فيا حبذا تنظم زيارات سواء من قبل الجامعات والمدارس أو من قِبل الأسرة، فزيارتها متعة خاصة في وقت الربيع، كما أن زيارتها ترتبط بتاريخنا الإسلامي حيث تعتبر جزءاً من سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم-؛ والمحبّ يقتفي أثر حبيبه ويتأسى به، وفي نفس الوقت تعطي هذه الزيارة الثقة الكبيرة تجاه الوطن والاعتزاز به.